ماذا يخبرنا آباء مملكة الحيوان عن البشر

عندما يتحدث الناس عن آباء الحيوانات، فإنهم غالبًا ما يفكرون في الأمهات، لكن دور الآباء في مملكة الحيوان رائع، ويمكن أن يخبرنا بالكثير عن أنفسنا.

من النادر جدًا أن تستثمر ذكور الثدييات أي شيء أكثر من علم الوراثة، فقط 5 إلى 10% من آباء أنواع الثدييات يفعل ذلك. بعض السمات المميزة للثدييات هي أن الأمهات تحمل أطفالها أثناء الحمل وتعتمد الصغار على حليب أمهاتها، لذلك حتى الآباء التي تبقى لا تميل إلى قضاء الكثير من الوقت في إطعام أو رعاية ذريتها.

وللإجابة عن سبب قيام 10% من آباء الثدييات بتوفير الرعاية، نحتاج إلى النظر في مجموعات الحيوانات الأخرى. وذلك لأن رعاية الآباء ليست نادرة فقط في الثدييات، ولكنها أيضًا غير مدروسة.

سيخبرك أي والد أن الأطفال ثمينون، فإذا ما استثمرت الطاقة في إعطاء شيء ما لطفل واحد، لا يمكن استخدامها في شيء آخر.

في العديد من الأنواع البحرية، تطلق الأمهات والآباء الأعراس في البحر، وهذا كل شيء. وفي بعض الأحيان يتزامن ذلك مع بعض الظواهر الطبيعية لتعظيم فرص تخصيب البيض، مثل تزاوج الشعاب المرجانية عند اكتمال القمر، ومع ذلك فإن العديد من هذا النسل لن ينجُ.

وتتمثّل الإستراتيجية البديلة في إنتاج عدد أقل من النسل، واستثمار الكثير في كل نسل على حدة، وهذا يخلق الصراع بين الوالدين والأبناء، إذ من الأفضل بالنسبة للوالد أن يستثمر أقل قدر ممكن، ولكن بالنسبة لكل طفل (أو ذرية) من الأفضل أن يستثمر الوالد أكبر قدر ممكن فيك.

ويعد هذا أساس نوع آخر من الصراع الذي ربما تكون قد مررت به أيضًا: ‘التنافس بين الأخوة’.

هناك نوع ثالث من الصراعات ألا وهو الصراع الجنسي.

وهنا يأتي دور الآباء، إذ من المفيد أن يفعل الوالد من الجنس الآخر أكثر منك.

إن الوالد الثديي النموذجي لا يستثمر كثيرًا في ما هو أبعد من التكاثر. قد يبدو أنه يعيش أفضل حياته، ومع ذلك دعونا نفكر في ذكر الغزال الأحمر.

يُطلق على الذكر المهيمن اسم ملك الوادي، سوف يتزاوج مع جميع الإناث في “حريمه”، ولكن عليه أن يقاتل للحفاظ على منصبه. تنمو قرونه كل عام وتصبح ضخمة استعدادًا لموسم التكاثر، الأمر الذي يتطلب الكثير من الطاقة. وقد يصاب أثناء الشجار ويقضي معظم وقته في الدفاع عن حريمه، الأمر الذي يقلّل من الوقت المتاح له لتناول الطعام، كما يبقى الذكر المهيمن على بعد معركة واحدة فقط من خسارة منصبه، وهذا هو الوضع في معظم أنواع الثدييات.

نحن نعلم، من خلال أبحاثنا عن مجموعات حيوانية أخرى، أن هناك ثلاثة شروط تتطلب الرعاية من كلا الوالدين:

1. الوضع الأول: هو عندما تكون الظروف غير متوقعة، وإعطاء النسل القليل من المساعدة مباشرةً بعد الولادة سيزيد بشكل كبير من تغيراته في البقاء على قيد الحياة. ويمكننا أن نرى هذا النوع من الرعاية لدى آباء بعض أنواع الأسماك، مثل أسماك أبو شوكة sticklebacks التي تقدّم الرعاية الأبوية الكاملة بعد وضع البيض.

إنها تصنع العش وتحرسه وتهويه، وبمجرد أن تفقس الصغار تدافع عنها من الحيوانات المفترسة. إن الفائدة الأولية لحراسة البيض هي التأكد من أن الأب هو الذي سيُخصّبها، وتطوّرت هذه الرعاية في بعض الأنواع إلى حالة متطرّفة تمامًا كما في فرس البحر، إذ يُخصّب الأب بيض الأم داخل كيس متخصّص، ثم يخضع لشيء مشابه للحمل، يليه الولادة.

أما في الضفادع، يلفّ الأب البيض حول ساقيه بعد تخصيبها ثم يحملها إلى البركة.

2. الوضع الثاني: الذي يرعى فيه الآباء ذريته بعد الولادة هو عندما يعيش الحيوان في ظروف تكثر فيها المنافسة على الموارد، مثل الغذاء. إن مساعدة الأبناء قد تمنحها ميزة تنافسية.

يمكن أن نرى هذا في العديد من أنواع الطيور في الحديقة، إذ تتشارك الأمهات والآباء معًا بالرعاية. هذه الطيور، بما في ذلك طيور أبو الحناء، والثدي الكبير، وطيور الشحرور، هي طيور إقليمية.

تبقى آباء أبو الحناء في أراضيها طوال العام، وهناك تسلسل هرمي للهيمنة، فيحتلّ الذكور الأكثر هيمنة أفضل المناطق، وهذه المنافسة التي يقوم بها الآباء لإعداد ذرياته لها.

ففي شهر كانون الثاني/يناير، تُشكّل طيور أبو الحناء أزواجًا، وتبدأ بإنتاج الفراخ في الربيع، إذ يتشارك كل من الأم والأب باحتضان البيض وإطعام الفراخ.

3. الوضع الثالث: الذي تعتني فيه الحيوانات بنسلها بعد الولادة، هي عندما يعتمد التكاثر على شيء لا يمكن التنبؤ به.

على سبيل المثال: خنافس الدفن (هي عائلة من الخنافس التي تستخدم جثث الفقاريات الصغيرة كغذاء لليرقات عندما تفقس)، ويعتني كلا الوالدين بالنسل، إذ تقذف الطعام في أفواه يرقاتها التي تطلب تغذيتها عن طريق دغدغة أفواه والديها، ويقوم الأب بالمزيد من الرعاية غير المباشرة، فيمنع الجثث من التعفّن، ويدافع عنها من المتسللين الجائعين.

ويعتني كلا الوالدين من خنفساء الروث، اللذان يستخدمان الروث كغرف تكاثر، بصغارها أيضًا.

خذ بعين الاعتبار تقسيم الرعاية المباشرة وغير المباشرة بين الأمهات والآباء من البشر. فبالمقارنة مع القردة العليا، يولد الطفل البشري في مرحلة نمو مبكرة، لذلك فهو يتناسب مع مرحلة الولادة، ثم يحتاج الأطفال الرضّع إلى قدر أكبر من الرعاية في الأشهر الثلاثة الأولى من حياتهم، والتي تسمى غالبًا بالثلث الرابع من الحمل.

وكان توفير الأب للطعام والماء والمأوى للأم أمرًا ضروريًا لبقاء أطفال أجدادنا على قيد الحياة.

إذا كان هناك شيء يمكن أن نتعلمه من مملكة الحيوان، فهو أن هناك طرقًا عديدة لتكون أبًا، وأن هذا الاختلاف لا يقتصر على أنواع الحيوانات فحسب، بل فيما بينها أيضًا. إذ لا توجد صيغة بسيطة للأب “الصالح”.

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1