آلية عمل حاجز الدماغ الدموي لمنع البكتيريا والسموم من الوصول إلى الدماغ
يعدّ الدماغ عضوًا معقدًا وحساسًا للغاية. ويعمل الجسم على حمايته بشراسة من خلال التمسك بالأشياء التي تساعده، وتبقي الأشياء الضارة، مثل البكتيريا، التي يمكن أن تسبب العدوى والسموم بعيدةً عنه.
وهو يفعل ذلك من خلال طبقة واقية تسمى حاجز الدماغ الدموي. إليك كيفية عمله وما يعنيه ذلك لتركيب الأدوية.
أولًا، دعونا نلقي نظرة على الجهاز الدوري.
تحوي أجسام البالغين نحو 30 تريليون خلية. وكل خلية تحتاج إلى مجموعة متنوعة من المغذيات والأوكسجين، كما أنها تنتج نفايات يجب التخلص منها.
ويوفّر الجهاز الدوري هذه الخدمة، إذ يوصل المغذيات ويزيل النفايات.
عندما يلتقي الجهاز الدوري بخلايا الجسم، يتفرع إلى أنابيب صغيرة تُسمى الشعيرات الدموية. هذه الأنابيب الصغيرة، التي يبلغ عرضها حوالي عُشر عرض شعرة الإنسان، تتكون أيضًا من خلايا.
ولكن توجد في معظم الشعيرات الدموية بعض الميزات الخاصة (المعروفة بالنوافذ) التي تسمح بتبادل نسبي حر للعناصر الغذائية والنفايات بين الدم وخلايا الأنسجة.
يمكن تشبيه ذلك إلى حد ما بتوصيل البيتزا.
إن واحدة من الطرق للتفكير في كيفية عمل الدورة الدموية هي تشبيهها بعامل توصيل البيتزا في مدينة كبيرة. إذ توجد على الطرق الكبيرة جدًا (الأوعية الدموية) جدران، ولا يمكنك المشي إلى باب المنزل وتسليم البيتزا لشخص ما.
ولكن بمجرد أن تصل إلى الشوارع الصغيرة في الضواحي (الشعيرات الدموية)، فإن تصميم تلك الشوارع يعني أنه يمكنك التوقف، والنزول من دراجتك والسير إلى الباب لتسليم البيتزا (العناصر الغذائية).
نحن غالبًا ما نعتقد أن الدماغ كتلة إسفنجية لا تحوي الكثير من الدماء. ولكن في الواقع، يحتوي الدماغ المتوسط على حوالي 600 كيلومتر من الأوعية الدموية.
ويكمن الفرق بين الشعيرات الدموية في معظم أجزاء الدماغ وتلك الموجودة في أماكن أخرى في أن هذه الشعيرات تتكون من خلايا متخصصة متصلة ببعضها البعض بإحكام شديد، وتحدّ من التبادل الحر لأي شيء مذاب في الدم. وتُعرف هذه الشعيرات أحيانًا بالشعيرات الدموية المستمرة.
هذا هو الحاجز الدموي الدماغي. إنه لا يشبه كثيرًا كيسًا حول الدماغ يمنع الأشياء من الدخول والخروج، بل هو أشبه بجدران على جميع الشوارع، حتى الصغيرة جدًامنها.
إن الطريقة الوحيدة لدخول البيتزا هي من خلال فتحات خاصة تكون على شكل مماثل لصندوق البيتزا.
لقد أعِدّ الحاجز الدموي الدماغي بشكل يسمح بوجود ناقلات متخصصة (مثل فتحات صناديق البيتزا) لجميع العناصر الغذائية المطلوبة. لذا، في الغالب، فإن الأشياء الوحيدة التي يمكن أن تدخل هي تلك التي لها ناقلات أو التي تبدو مشابهة جدًا (على المستوى الجزيئي).
قد يتعثّر هذا التشبيه قليلًا لأن فتحة صندوق البيتزا تنطبق على العناصر الغذائية التي تذوب في الماء. أما الأشياء التي تذوب بشكل كبير في الدهون، فيمكنها في كثير من الأحيان تجاوز الفتحات في الجدار.
لماذا لدينا حاجز دموي دماغي؟
يُعتقد أن الحاجز الدموي الدماغي موجود لعدة أسباب.
أولًا، إنه يحمي الدماغ من السموم التي قد نتناولها (فكّر في المواد الكيميائية التي تصنعها النباتات) والفيروسات التي غالبًا ما يمكنها إصابة باقي الجسم ولكن عادةً لا تصل إلى الدماغ.
كما أنه يوفّر الحماية من خلال تنظيم حركة العناصر الغذائية والنفايات بشكل محكم داخل وخارج الدماغ، مما يوفر بيئة أكثر استقرارًا من باقي الجسم.
وأخيرًا، يعمل الحاجز على تنظيم مرور الخلايا المناعية، مما يمنع الالتهاب غير الضروري الذي قد يتسبب في تلف الخلايا في الدماغ.
ماذا يعني ذلك للأدوية
من إحدى نتائج هذا التنظيم المحكم عبر الحاجز الدموي الدماغي أنه إذا كنت تريد دواءً أن يصل إلى الدماغ، فعليك أن تفكر في كيفية دخوله.
هناك عدة طرق. إذ يمكن للجزيئات القابلة للذوبان في الدهون بشكل كبير أن تمر غالبًا إلى الدماغ، لذا، قد تُصمّم الدواء ليكون دهنيًا قليلًا.
وهناك خيار آخر وهو ربط الدواء بجزيء آخر يُمتصّ عادةً في الدماغ حتى يتمكن من (العبور) معه، أو صنع (الدواء الطليعي)، الذي يبدو كجزيء يُنقل بشكل طبيعي.
استخدامه لصالحنا
يمكنك أيضًا الاستفادة من الحاجز الدموي الدماغي.
غالبًا ما تتسبّب المسكنات الأفيونية المستخدمة لتخفيف الألم بالإمساك. وهي تفعل ذلك لأن هدفها (مستقبلات الأفيون) الموجودة أيضًا في الجهاز العصبي للأمعاء، حيث تعمل على إبطاء حركة محتويات الأمعاء.
الإيموديوم (لوبيراميد)، الذي يستخدم لعلاج الإسهال، هو في الواقع أفيون، ولكنه صُمّم خصيصًا بشكل لا يمكنه عبور الحاجز الدموي الدماغي.
هذا التصميم يعني أنه يمكنه العمل على مستقبلات الأفيون في الجهاز الهضمي، مما يبطئ حركة المحتويات، ولكنه لا يعمل على مستقبلات الأفيون في الدماغ.
وعلى النقيض من الإيموديوم، فإن أوزمبيك وفيكتوزا (التي صُمّمت أصلًا لمرض السكري من النوع الثاني، لكنها الآن شائعة لفقدان الوزن) لديهما دهون طويلة مرفقة، لتحسين مدة بقائهما في الجسم.
ونتيجةً لوجود هذه الدهون الطويلة، يمكنهما عبور الحاجز الدموي الدماغي، حيث يعملان على كبح الشهية. وهذا جزء من السبب في كونهما فعالين كأدوية لفقدان الوزن.
لذا، بينما يكون الحاجز الدموي الدماغي مهمًا لحماية الدماغ، فإنه يمثل تحديًا وفرصةً لتطوير أدوية جديدة.
- ترجمة: محمد برادعي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1