إنجاز كبير لعلماء الفيزياء في مجال الاندماج النووي!

توعد مديرو منشأة الإشعال الوطنية NIF بظهور طريق لطاقة اندماج غير محدودة قريبًا، بعد أن بدأ أحد أقوى الليزرات في العالم بإطلاق العنان لنسف كبسولات صغيرة من نظائر الهيدروجين منذ أكثر من عقدٍ من الزمن. وقد اتخذت منشأة الإشعال الوطنية قفزة كبيرة نحو هذا الهدف. ففي الأسبوع الماضي، أثارت نبضة ليزر واحدة انصهارًا اندماجيًا من كبسولة وقود بحجم حبة الفلفل مُنتجةً ثمانية أضعاف الطاقة التي حققتها المنشأة؛ 1.35 ميغا جول MJ، أي تقريبًا الطاقة الحركية لسيارة تسير بسرعة 160 كيلومترًا في الساعة. إذ كانت طاقة نبضة الليزر تقريبًا %70 من الطاقة الناتجة، مما جعلها قريبةً من «الإشعال Ignition» بشكلٍ مدهش؛ أي إن نبضة اندماج تنتج طاقة زائدة.

قال رئيس برنامج الاندماج في مختبر لورانس ليفرمور الوطني والذي يدير منشأة الإشعال الوطنية، مارك هيرمان Mark Herrmann: «بعد سنوات عديدة من الاشتعال بنسبة %3، يعد هذا مثيرًا للغاية».

قال مدير مختبر طاقة الليزر LLE في جامعة روتشستر، الفيزيائي مايكل كامبل Michael Campbell: «أن النبضة التي اُطلِقَتْ في منشأة الإشعال الوطنية تثبت أنه يمكن الحصول على الاندماج من كمية صغيرة من الطاقة، مع انبجار كمية صغيرة من الكتلة. وهذه نتيجة رائعة في مجال الطاقة النووية».

قال عالم فيزياء البلازما والمدير المشارك لمركز دراسات الاندماج بالقصور الذاتي في كلية لندن الإمبراطورية، ستيفن روز Steven Rose: «إنه إنجاز رائع. لقد جعلني أشعر بالبهجة، يبدو الأمر وكأنه إنجازٌ عظيم… بلى هو كذلك».

وليس من السابق لأوانه، إذ أثارت سنوات من التقدم البطيء تساؤلات حول ما إذا كان الاندماج باستخدام الليزر له مستقبل عملي. ووفقًا لريكاردو بيتي Riccardo Betti كبير العلماء في مختبر طاقة الليزر، على الباحثين التساؤل الآن: «ما هو الحد الأقصى للاندماج الناتج الذي يمكنك الحصول عليه من منشأة الإشعال الوطنية؟ هذا هو السؤال الحقيقي».

يُجبِر الاندماج الذي يمد النجوم بالطاقة، الأنوية الذرية الصغيرة على الاندماج معًا في نوى أكبر، مما يطلق كميات كبيرة من الطاقة. من الصعب للغاية تحقيق الاندماج المُحدث في النجوم على الأرض بسبب الحرارة والضغط اللازمين لدمج الأنوية، يجذب الاندماج باستمرار الاهتمام العلمي والتجاري لأنه يَعِد بزخر طاقي، مع القليل من التأثير البيئي.

ومع ذلك وبالرغم من الأساليب العديدة المتبعة لتحقيق الاندماج، لم يولد أي منها طاقة أكثر مما هو مطلوب لإحداث التفاعل في المقام الأول. كانت المفاعلات الكبيرة على شكل كعكة دائرية تسمى توكاماك، والتي تستخدم الحقول المغناطيسية لحبس بلازما فائقة الحرارة لفترة كافية لتسخين النوى إلى درجات حرارة الانصهار، هي الأولى من نوعها لتحقيق مكاسب صافية من الطاقة منذ فترة طويلة. لكن من غير المتوقع أن يصل مشروع المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي العملاق ITER الذي تبلغ تكلفته 25 مليار دولار في فرنسا لتلك المكاسب وتحقيق الاندماج ألا لأكثر من عقد آخر، على الرغم من أن شركات الاندماج الخاصة تعد بإحراز تقدم أسرع.

يستخدم نهج منشأة الإشعال الوطنية والمعروف بـ «الحبس الاندماجي بالقصور الذاتي Inertial confinement fusion»، ليزرًا عملاقًا موجودًا في منشأة بحجم عدد من ملاعب كرة القدم الأمريكية لإنتاج 192 شعاعًا تُركز على هدف في نبضة قصيرة وقوية، تقريبًا 1.9 ميجا جول لمدة تقارب 20 نانوثانية. الهدف هو الحصول على أكبر قدر ممكن من الطاقة الاندماجية في الكبسولة المستهدفة، إذ إن الكبسولة عبارة عن كرة صغيرة مملوءة بنظائر الهيدروجين «الديوتيريوم والتريتيوم» مثبتةً داخل أسطوانة من الذهب بحجم ممحاة. يتبخر الذهب وينتج نبضة من الأشعة السينية مسببةً انبجار الكبسولة، دافعةً وقود الاندماج إلى كرة صغيرة ساخنة وكثيفة بدرجة كافية لإشعال الاندماج. من الناحية النظرية، إذا أمكن إطلاق مثل هذه الانفجارات الاندماجية الصغيرة بمعدل يقارب 10 مرات لكل الثانية، يمكن لمحطة توليد الطاقة أن تحصد الطاقة من النيوترونات عالية السرعة المنتجة لتوليد الكهرباء.

عندما اطلِقَت منشأة الإشعال الوطنية توقعت نماذج الكمبيوتر نجاحًا سريعًا، لكن الانفجارات الاندماجية في السنوات الأولى لم تولد سوى حوالي 1 كيلوجول kJ لكل انفجار اندماجي. تبع ذلك جهد طويل لفهم فيزياء الانبجارات بشكلٍ أفضل، إذ كانت الانفجارات تنتج في العام الماضي 100 كيلو جول. شملت التحسينات الرئيسية إزالة الاِصطِدامات والفوهات المجهرية على سطح كبسولة الوقود، وتقليل حجم الفتحة في الكبسولة المستخدمة لتزويد الوقود، وتقليص الثقوب في الأسطوانة الذهبية حتى تقل الطاقة المتسربة، وتوسيع نبض الليزر لتبقي الوقود محفزًا في الداخل لمدة أطول. كانت هناك حاجة ماسة للتقدم، إذ إن الجهة الممولة لمنشأة الإشعال الوطنية، وهي الإدارة الوطنية للأمن النووي، تعمل على خفض الطلقات المكرسة للاشتعال لصالح استخدام أجهزة الليزر في تجارب أخرى تحاكي أعمال الأسلحة النووية.

أنتج فريق منشأة الإشعال الوطنية في مطلع هذا العام، بعد دمج هذه التحسينات بطرقٍ مختلفة، عدة نبضات تتجاوز 100 كيلو جول، بما في ذلك واحدة بمقدار 170 كيلو جول. تشير هذه النتيجة إلى أن منشأة الإشعال الوطنية كانت تخلق «بلازما حارقة» أخيرًا، إذ توفر تفاعلات الاندماج نفسها الحرارة لمزيد من الاندماج، وهو تفاعل تسلسلي يعد مفتاحًا للحصول على إنتاج أكبر للطاقة الاندماجية. ثم في 8 أغسطس/آب 2021، ولدت نبضة رائعة 1.35 ميغا جول. قال هيرمان: «لقد كانت مفاجأةً للجميع. هذا عهدٌ جديد بالكامل».

قال هيرمان: «إن ماهية التحسينات التي كان لها الأثر الأكبر بالضبط إضافةً إلى الدمج الذي سيؤدي إلى تحقيق مكاسب في المستقبل تستغرق بعض الوقت لكشفها، لأن العديد منها تم تعديله في وقت واحد في النبضة الأخيرة». مضيفًا: «إنها عملية لاخطية جدًا. وهذا هو سبب تسميته بالاشتعال؛ وهي طريقة تتسبب في تفاعل تسلسلي. ولكن هذا يعطينا الكثير من التشجيع إذ يمكننا الذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير».

ومع ذلك، لا يزال فريق هيرمان بعيدًا عن التفكير في محطات توليد الطاقة الاندماجية. وقال كامبل: «إن الاندماج في المختبر أمر صعب حقًا، والحصول على طاقة اندماجية اقتصادية أصعب. لذا علينا جميعًا التحلي بالصبر». تظل المهمة الرئيسية لمنشأة الإشعال الوطنية هي ضمان أن مخزون الولايات المتحدة من الأسلحة النووية آمن وفعال. وذكر هيرمان: «إن طاقة الاندماج شيء هامشي. لكن الوصول إلى الإشعال والقدرة على دراسة العملية ومحاكاتها سوف يفتحان أيضًا نافذة جديدة للتخطيط المسؤول عن الموارد وإدارتها. لأن الاندماج غير المتحكّم به يقوي الأسلحة النووية».

وأضاف هيرمان: «أنه عندما تلقيت رسالة نصية الأسبوع الماضي من زملائي تفيد بأنهم حصلوا على نتيجة مهمة من النبضة الأخيرة، كنت قلقًا من حدوث خطأ ما في المعدات. لكن عندما ثبت لي العكس، فتحت زجاجة شمبانيا».

  • ترجمة: بهجت بن صبيح
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1