تستهلك الثقوب السوداء الإنتروبي

‘الإنتروبي’: واحدة من المفاهيم العميقة بشكلٍ مخيفٍ والتي تشكل جوهر مجالات الفيزياء بأكملها (كما في حالة الديناميكا الحرارية)، ولسوء الحظ أنها رياضية للغاية بصورةٍ يصعب شرحها بسهولة، لكن سنجرب.

كلما رأيتُ كلمة (إنتروبي) أحب استبدلها بعبارة: ”حساب عدد الطرق التي يمكن من خلالها إعادة ترتيب السيناريو مع تركه إلى حدٍ كبيرٍ كما هو”، إذ أنني أوافق على هذا قليلًا ويجب على الإنتروبي أن توافق أيضًا.

تستيقظ صباحًا في عطلة نهاية الأسبوع وتقرر أخيرًا التعامل مع المهمة الضخمة المتمثلة في تنظيف غرفتك.

أنت تلتقط ملابسك وتنظفها وتطويها وتضعها بعيدًا، وترتب أوراقك، وتنفخ وسائدك، وتنظم درج ملابسك الداخلية.

وبعد ساعاتٍ من الجهد ستتراجع للخلف معجبًا بعملك، لكنك ستشعر بعدم الارتياح في معدتك، لأنك تعرف أنه بعد مرور وقتٍ طويلٍ سيكون الأمر فوضويًا مرةً أخرى.

كما أنك تعرف بشكلٍ غريزيّ أنه لا يوجد سوى طريقة واحدة للحصول على غرفةٍ منظمةٍ يكون فيها مكانٌ لكل شيء، ويكون كل شيءٍ في مكانه.

طريقةٌ واحدة فقط للحصول على هذا السيناريو الدقيق، وبما أنك الآن على درايةٍ بمعنى الكلمة فيمكنك استخدامها، وربما ستقول أن الغرفة النظيفة لديها (إنتروبي) منخفض جداً.

لنصنع الآن بعض الفوضى، تخيّل أنك تأخد جوربًا وترمه في غرفتك إنها الآن فوضوية.

يمكنك وضع مقياس قابل لقياس هذه الفوضى، قد يكون جوربك الوحيد على الأرض أو على السرير أو ربما يكون جزءًا منه عالقًا خارج الدرج.

هناك عددٌ من الطرق التي يمكنك من خلالها إعادة ترتيب سيناريو ظهور جورب ليس في مكانه في غرفتك مع الحفاظ على الصورة العامة كما هي وهذا يعني أن الإنتروبي في هذه الحالة يكون عالٍ.

وبعد ذلك يأتي كلبك أو أطفالك أو كلبك وأطفالك معًا إلى الغرفة محدثين ضجة، وتترتب الفوضى تبعًا لذلك.

لا يوجد شيءٌ حيث من المفترض أن يكون، وهناك تقريبًا عدد لا منتهٍ من الطرق لتحقيق نفس المستوى من الفوضى، بالفعل إنّ الإنتروبي والإحباط مرتفعان للغاية.

يحب الفيزيائيون استخدام مصطلح الإنتروبي لأنه بمثابة طريقة سهلة لتشفير المعلومات في النظام.

ولذلك من خلال قياس الإنتروبي يشعر الفيزيائيون بالراحة عند التعامل معه فيمكنهم التحكم في كمية المعلومات الموجودة في النظام، وهذا ينطبق على أي نظام في الكون، بما في ذلك ‘الثقوب السوداء’.

في عام 1981 اكتشف الفيزيائي ‘يعقوب بيكنشتاين’ -الذي جاء عمله خجلًا من جعلنا نشير إلى إشعاع بيكنشتاين فقط- حقيقتين رائعتين وغير بديهيتين حول الثقوب السوداء وآفاق الحدث الخاص بها.

أولاً، يمثل الحجم الموجود في الثقوب السوداء أكبر قدر مطلق من الإنتروبي يمكن أن يمتلكه أي حجم مماثل في الكون.

وبعبارة أخرى: “الثقوب السوداء هي مجالات ذات أقصى إنتروبي”.

بغض النظر عن الفوضى التي حدثت في غرفتك، وبغض النظر عن زيادتك بقصدٍ أو بغير قصدٍ للإنتروبي فلن تتمكن أبدًا من التغلب على إنتروبي ثقب أسود بحجم الغرفة، ويجب على هذه الحقيقة أن تثير على الفور بعضًا من الأسئلة المثيرة للقلق، وفي ذات الوقت مثيرة للاهتمام.

من بين كل المخلوقات الرائعة في الكون لماذا اختارت الطبيعة الثقوب السوداء لتحتوي على أكبر قدر من الإنتروبي؟ هل هذه مجرد صدفة أم أنها تُعلِمُنا شيئًا قيمًا يربط ما بين ميكانيكا الكم، والجاذبية، والمعلومات؟

يجب أن يزداد شعورك بعدم الارتياح والإثارة عندما تعرف الحقيقة الثانية التي اكتشفها بيكنشتاين، وهي عند إضافة معلومات إلى الثقب الأسود فإنه يصبح أكبر.

هذا في حد ذاته ليس مفاجئًا، لكن فقط الثقوب السوداء فقط تجعل مساحات سطحها -ليس أحجامها- تكبر بما يتناسب مع كمية المعلومات التي تمر بداخلها.

إذا أخذت أيّ نظام آخر في الكون، مثل: (نجم يلتهم كوكباً، أو أنت تأكل البرجر) ترتفع الإنتروبي والمعلومات في النظام المشترك، والحجم أيضًا سيزداد -بالنسبة للنجم ولك-، ويزداد الحجم بما يتناسب مع كمية زيادة المعلومات.

لكن الثقوب السوداء -لبعض الأسباب التي لا زلنا لا نفهمها تماماً- تتحدى هذه الأمور الشائعة والبديهية.

‘بول إم سوتر’، عالم كونيات نظريّ وفائزٌ بجائزة التواصل العلميّ، وباحث في معهد العلوم الحاسوبية المتقدمة في جامعة ستوني بروك، وضيفٌ باحث في مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية في معهد فلاتيرون في مدينة نيويورك.

  • ترجمة: ريم مللي
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1