توقف عن الكذب على نفسك
لا أحد يريد أن يُنظر إليه على أنه كاذب، إذ يعد الكاذبون غير جديرين بالثقة في أحسن الأحوال وغير أخلاقيين في أسوأ الأحوال. ومع ذلك نرضى تمامًا بالكذب على أنفسنا طوال الوقت. فقد أقول لنفسي: «سأستمتع اليوم بهذه الكمية من بسكويت أوريو لأن نظامي الغذائي يبدأ غدًا» أو «أحب عملي، من سيهتم إن كنت أشكو منه باستمرار؟» أو حتى -ومن المفارقات- «أنا دائمًا صادق مع نفسي».
ليس من المنطقي خداع نفسك. إذ ينطوي الكذب في نهاية الأمر على إخبار شخصٍ بشيء تعرف أنه غير صحيح. ولكن عندما تكون أنت الكاذب، وفي نفس الوقت تتعرض للكذب، فهذا يعني أنك تعرف الحقيقة ولا تعرفها في نفس الوقت. هذا يعني -عمليًا- أنك تتجاهل المعرفة الأساسية عمدًا للوصول إلى نتيجة أكثر ملاءمة مما تشير إليه الحقائق.
الجميع يخدع نفسه، لكن هذا لا يجعله أمرًا غير ضار. الكذب على النفس يرتبط بضعف الصحة العقلية في حالات متقدمة. أما في الحالات المعتدلة يمكن أن يحمي الكذب على النفس مؤقتًا الشخص من المشاعر السيئة، لكنها لا تزال تشكل حاجزًا أمام الرفاهية العميقة التي تأتي من العيش بصدق. يجب أن نتعلم أن نكون صادقين تمامًا مع أنفسنا لكي نكون سعداء حقًا.
عدد قليل نسبيًا من الناس صادقون تمامًا مع الآخرين. وجد بحث من جامعة ماساتشوستس في أمهيرست عن طلاب جامعيين أن 60 بالمئة كذبوا مرة واحدة على الأقل في محادثة استمرت 10 دقائق، وكذب الكثير منهم عدة مرات. قد يكون تشويه الواقع داخل رأسك أكثر شيوعًا. وكما يلخص أحد العلماء الدليل «جميع البشر يخدعون أنفسهم»؛ لا يوجد أحد صريح تمامًا مع نفسه لأن الحقيقة مؤلمة. الدقة في إدراك العالم هي في الواقع سمة شائعة للاكتئاب، يشار إليها أحيانًا باسم (الواقعية الاكتئابية). فالحياة ببساطة مليئة بالحقائق القاسية. إذا كنت تريد لمحة عن هذا الأمر ففكر في المرة الأخيرة التي غادر فيها شخص ما غرفة كنت فيها وقمت بإلقاء نكتة عليه. إنه يعلم أن هذا الأمر حدث من داخل أعماقه، لأنه ربما فعل نفس الشيء مرة ما عندما غادرت الغرفة، ومع ذلك عليه أن يتجاهل هذه المعرفة من أجل متابعة يومه.
ينخرط الناس في خداع الذات لحماية غرورهم، أو لحشد رباطة جأشهم في بعض الأحيان. اشتهر السناتور السابق آل فرانكن بتجسيد هذه الظاهرة في ساترداي نايت لايف عندما لعب دور مضيف برنامج تلفزيوني مزعج ومفرط بالإيجابية للمساعدة الذاتية ستيوارت سمالي، الذي استخدم العبارة الشائعة «أنا جيد بما فيه الكفاية، أنا ذكي بما فيه الكفاية، أنا مستمر بعملي، الناس يحبوني». وبالمثل إذا لم يكن التحدث إلى الجماهير هو موطن قوتك فقد تحاول تعزيز شجاعتك قبل عرض تقديمي مخيف بالقول، «أنا متحدث رائع في الخطابة!»، ويُقنع رجل الأعمال نفسه بالعيش في وهم أكبر من أن مخططه المتهور فكرة رائعة حقًا.
تزييف حدوث أمر معين حتى تحقيقه هو شيء واحد لكن تزييفه إلى الأبد، حتى على نفسك، هو أمر مختلف تمامًا. هذا هو الحال إذا كان نجاحك في العمل أو المدرسة ناتجًا عن الغش أو المعاملة التفضيلية ولكنك اخترت أن تعد ذلك الأمر لاستحقاقك الخاص. أظهر عالم النفس بول ك. بيف وزملاؤه في تجربة أجريت عام 2020 أن البشر يميلون إلى الإشارة لدور الحظ عندما يفشلون أكثر مما يشيرون إليه عندما ينجحون ويتصدرون القمة. على سبيل المثال، قد تعتقد زميلتك في العمل أن ترقيتها الأخيرة كانت بالكامل نتيجة لعملها الممتاز، وقد يلاحظ الآخرون أنها أيضًا ابنة أخت المدير.
الكذب على نفسك بشأن الجدارة يبرر الميزة غير العادلة ويجعل من الصعب تمييز الجدارة الحقيقية ومكافأتها. هذا الأمر سيئ بما فيه الكفاية لكن خداع الذات يصبح خطيرًا تمامًا عندما تُنكر الحقائق المؤلمة ولكن من المهم مواجهتها، مثل العلاقة المسيئة أو العادة القاتلة. يعاني أشخاص من المخدرات وهنا يكون الإنكار بمثابة آلية للحفاظ على هذه العادة، وتجنب عملية إعادة التأهيل المؤلمة. وجد العلماء في العام 2016 أن مدمني الكحول والمخدرات يظهرون درجات عالية من خداع الذات، بما في ذلك الإنكار الفعلي، مثل «يمكنني الإقلاع في أي وقت أريد» وفقدان الذاكرة الانتقائي مثل «لم أكن في حالة سكر الليلة الماضية».
هذه الأكاذيب الذاتية تؤخر التغييرات التي نحتاج إلى إجرائها وتحرضنا للكذب على الآخرين. خداع الذات في الواقع هو أسلوب كلاسيكي من أساليب الإقناع المتلاعب. كما يقول المثل القديم، «إنها ليست كذبة إذا كنت تؤمن بها». وبالفعل، أوضح عالم الأحياء روبرت تريفرس في تجاربه أنه عندما يكلف الناس بعمل حجة معينة فإنهم يقاومون عمدًا سماع أدلة تُبين عكسها. بعبارة أخرى البائع الذي يخبرك أن سيارة lemon -سيارة أمريكية لديها العديد من مشكلات التصنيع- هي أفضل سيارة على الإطلاق قد أقنع نفسه بذلك.
كل هذا الخداع الذاتي -سواء كان يتعلق بمهاراتك أو علاقتك بالمواد التي تستخدمها- يتطلب الكثير من العمل للحفاظ عليه. ضع في اعتبارك التسويف، وهو شكل من خداع الذات يمكن أن يكون تافهًا مثل «سأفرغ غسالة الأطباق لاحقًا» أو كارثيًا «سأتصل بالطبيب الأسبوع المقبل بشأن ألم الصدر». هذا الشكل من خداع الذات مكلف ليس فقط لأن تجنب المشكلات يمكن أن يزيدها سوءًا ولكن أيضًا لأن المماطلة تستنزف العمل الذهني لمهمة ما مرارًا وتكرارًا، دون جني ثمار إنجازها فعليًا. لماذا تكتب مهمة عليك تغييرها، مثل تغيير البنك الذي تتعامل معه، في قائمة مهامك لأشهر متتالية بدلاً من أن تكتبها مرة واحدة وتتخلص من المهمة؟
لتعظيم سعادتك على المدى القريب دون إلحاق الأذى المفرط بالآخرين، قد تبدو صيغة خداع الذات أمرًا لحماية مشاعرك وتسهيل الحياة. ربما تقنع نفسك بأن الآخرين معجبون بك، بالإضافة إلى أنك تقوم ببعض التسويف غير المؤذي هنا وهناك، لكن لا تنكر الحقائق التي تشكل خطورة عليك وعلى الآخرين، أو تكذب على نفسك حتى تتمكن من التلاعب بالآخرين.
لكن ماذا عن سعادتك طويلة الأمد؟ قد يكون العيش في شرنقة من الأكاذيب أمرًا مريحًا، لكنه يشبه تجربة النعيم في نهاية أنبوب مخدر الأفيون: لن يقودك أبدًا إلى أعمق أنواع الرضا. لا يمكن العثور على هذه القناعة إلا في النسخة الحقيقية من نفسك. رأى الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر أن كل خداع للذات، مهما كان لطيفًا، هو شكل أسماه سوء النية أي عدم الرغبة في اكتشاف جوهرنا ككائنات واعية وتحمل المسؤولية الحقيقية عن أنفسنا. قد يكون الجهل نعمة في وجهة النظر هذه، لكنه إهدار غير مسؤول للحياة.
من المؤكد أن سارتر كان سيئ السمعة فقد أوصى أن يعيش المرء «بدون مستقبل، وبدون أمل، وبدون وهم» لكن نقطته الأساسية فكرة جيدة. النزاهة الشخصية ضرورية للغاية للتقدم الشخصي، والتي يُظهر علماء النفس أنها مكون أساسي للسعادة. يتطلب التقدم معرفة مكانك بصدق مقارنة بالمكان الذي كنت فيه.
إذا كنت غافلًا عمدًا عن عيوبك، فلا يمكنك تصحيحها. كما ذكرني زميلي ستيفن بينكر عبر البريد الإلكتروني، مؤلف الكتاب الجديد «العقلانية: ما هي، لماذا تبدو نادرة، لماذا هي مهمة» حين كتب إلي: «مهما كانت المزايا التي يوفرها خداع الذات من أجل التبرير يجب موازنتها مقابل الجانب السلبي الواضح لعدم التعلم من الأخطاء». تُظهر الأبحاث أن خداع الذات مرتبط بعدم القدرة على رؤية عيوبنا مما يجعل تحسين الذات أكثر صعوبة. إن رفض الاعتراف بأنني عصبي قليلًا قد يجعلني أشعر بتحسن في الوقت الحالي، لكنه أيضًا يثنيني عن بذل جهود للتغيير لصالح نفسي ولصالح من حولي على المدى الطويل.
هذا لا يعني عد كل الآراء السلبية حقيقية، ولا يعني قبول الآراء الإيجابية دون تفكير عميق. المفتاح هو تلقي المعلومات الهامة دون اتخاذ موقف دفاعي، والنظر في الأدلة المتعلقة بك بالطريقة التي كنت ستفكر بها إذا كان الأمر يتعلق بشخص آخر.
في النهاية على كل شخص أن يقرر: هل أريد الحقيقة الكاملة، بغض النظر عن المكان الذي تؤدي إليه؟ إذا كنتَ مستعدًا لتجربتها، فإنني أوصيك أن تبدأ بأفعال صغيرة من التحدي ضد خداعك الذاتي حتى تشعر بهذه الأكاذيب.
على سبيل المثال اسأل نفسك هذا السؤال: ما الذي يُضحك الناس من وراء ظهري؟ قم بعمل قائمة بمراوغاتك ونواقصك، وتخيل نفسك تضحك عليها أيضًا. بعد ذلك اختبر ما تعلمته عن طريق المزاح حول هذه السمات مع الآخرين. ستجد أن هذا التمرين يريحك من الاعتراف بشيء شعرت بالحاجة إلى إخفاءه والثقة بنفسك الحقيقية وعيوبك وكل شيء. يمكنك في وقت لاحق التوسع في مجالات أكثر صعوبة، مثل فحص الأسباب الحقيقية لنجاحك وإنجازاتك، ومواجهة مخاوفك الصحية بشكل مباشر، ومراجعة عاداتك.
إذا كان هذا الأمر يخيفك، اسأل نفسك أسئلة مثل التالية: هل أفضل أن يضحك الناس من وراء ظهري، أم معي؟ هل أريد حقًا شيئًا لم أكسبه؟ هل ستكون الرصانة أسهل إذا تجاهلت مشكلة الشرب الخاصة بي لعام آخر؟ الطريق الصادق ليس سهلًا لكن يمكنك أن تتأكد يومًا بعد يوم أنك ستفتخر بالقول إن الشخص الذي يظهر في المرآة ليس كاذبًا. وستكون هذه هي الحقيقة.
- ترجمة: رؤى بستون
- تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
- المصادر: 1