شمسنا تقذف عواصف أكثر قوة وأقل انتظامًا من المتوقع

ماهي المشاعر التي تنتابك عند رؤيتك للشفق القطبي؟

إن الشفق القطبي، الذي يعرف أيضًا بالأضواء الشمالية أو الجنوبية، هو ضوء يصدر من جسيمات من الطبقات العلوية للغلاف الجوي وذلك عندما تتفاعل مع جسيمات مشحونة من المجال المغناطيسي.

إن الشفق القطبي حدث مذهل وسماوي، يستطيع أن يشهده قاطنو دوائر العرض العليا. في تعاليم السكان الأصليين لأميركا الشمالية وكندا الوسطى، أضواء الشفق القطبي هي أرواح الأجداد التي تبقى وتتواصل معهم من السماء.

أما من الناحية العلمية، يعد الشفق القطبي عملية دمج فائقة التعقيد لديناميات الغلاف الأيوني، إنه تجلٍّ للاتصال الجوهري بين الأرض والشمس. أما صناعيًا، فيعد الشفق القطبي عامل خطر.

(اسفل الصورة: مشهد للشفق القطبي الشمالي فوق رادار الطقس الفضائي “superDARN” في ساساكتشوان. ).

حدث دمار مشروع “starlink”

في شباط 2022، قامت شركة spaceX باطلاق 49 قمر صناعي خاص بالإنترنت تابع لمشروع starlink إلى مدار أرضي منخفض، كان هذا هو الإطلاق السادس والثلاثين التي كانت قد أنجزته الشركة. وقد توقعوا أن يقلع هذا الإطلاق دون أي عائق مثل الإطلاقات الخمسة والثلاثين التي سبقته.

في يوم الإطلاق، قام قذف كتلي اكليلي بصدم الارض، وهو انفجار بلازمي ضخم صدر من الشمس. هذا ما سبب عاصفة مغناطيسية أرضية في الغلاف الجوي على ارتفاع يتراوح بين 100 الى 500 كيلومتر، وهو المجال المستهدف من أجل الاقمار الصناعية التابعة لمشروع starlink.

لقد تسبب هذا الحدث بضخ كميات هائلة من الطاقة الكهرومغناطيسية مباشرة إلى الطبقات العليا من غلاف الأرض الجوي.

أدت هذه العاصفة إلى عروض جميلة من الشفق القطبي، ولكن من جهة أخرى أدت إلى زيادة في كثافة الهواء. لا يتسبب عادة ارتفاع كثافة الهواء مشكلة كبيرة للأقمار الصناعية التي تستهدف المدار الأرضي المنخفض، لأنها أساسًا تكون بالغة الانخفاض عند الارتفاعات المدارية المعتادة (ما يزيد عن 400 كيلومتر).

لكن تم اطلاق مشروع starlink أساسًا إلى ارتفاع 210 كيلومتر، وهذا ما يعتبر أقرب بكثير إلى الأرض، حيث تكون كثافة الهواء عند ذلك الارتفاع أعلى بشدة. 38 قمر صناعي من الأقمار ال49 التي تم اطلاقها بدايةً فقدت بشكلٍ متتالٍ بسبب السحب الجوي لها من الغلاف الجوي الكثيف) التروبوسفير) عودةً إلى الارض.

دورة شمسية مفاجئة:

تشهد الشمس دورة -تمتد تحديدًا الى 11 سنة- حيث تزداد أو تقل انشطتها بشكلٍ دوري.

عند ذروة تلك الدورة، نستطيع رؤية بقع شمسية أكثر على سطح الشمس، ويتم اطلاق الاشعاعات بشكلٍ أكبر، كما أن التوهجات الشمسية تكثر.

العواصف المغناطيسية الأرضية مثل تلك العاصفة التي سببت دمار مشروعstarlink هي أحداث اعتيادية نسبيًا، خصوصًا عندما تصل الشمس إلى ذروة دورة الأحد عشر عامًا التي تقوى وتضعف أنشطتها من خلالها.

بالدورة السابقة وحدها، التي انتهت في عام 2019 (الدورة الرابعة والعشرون منذ أن بدأ تتبع تلك الدورات عام 1755)، حدثت 927 عاصفة تصنّف على أنها ضعيفة أو معتدلة، بمعدل عاصفة كل 5 أيام تقريبًا.

حاليًا نحن في السنة الرابعة من الدورة الشمسية الخامسة والعشرين التي قد اثبتت حقا أنها دورة مفاجئة.

كان من المتوقع حدوث أقصى نشاط للدورة الخامسة والعشرين في 2025، لكن النشاط الشمسي قد تجاوز ذلك بحق. وهذا ما يعني بأننا أصبحنا نشهد عواصف مغناطيسية أرضية أكثر، مشاهد أكثر من الشفق القطبي (بدوائر عرض اخفض من المعتاد)، واحتمالية وجود ظروف أكثر خطورة على الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض.

طقس الفضاء: القوة الخفية للطبيعة:

على اعتبار أن العواصف المغناطيسية الأرضية هي حوادث اعتيادية، فلم لا تسبب المزيد من المشاكل؟ حقيقةً هي تسبب، لكن النتائج تكون أقل وضوحًا من احتراق الاقمار الصناعية في الغلاف الجوي.

فمثلا عندما تدخل طاقة الطقس الفضائي الغلاف الجوي العلوي للأرض، يتغير تكوين الطبقة الأيونية، اضافة إلى زيادة كثافة الهواء. إن التواصل الراديوي عالي التوتر، كما يعرف أيضًا بالتواصل بالأمواج القصيرة، يعتمد على طبقة أيونية قابلة للتوقع من أجل البث لمسافات بعيدة.

من الممكن أن تسبب العواصف المغناطيسية الأرضية التي تؤثر على تكوين الطبقة الايونية فقدان في التواصل الراديوي، كالخلل الذي حدث في أميركا الشمالية في 7 آب، حتى العواصف الطفيفة قادرة على أن تسبب تدهورًا في إشارات الراديو المستخدمة في الجيش والأنظمة البحرية، الملاحة الجوية وراديو الهواة.

أما العواصف القوية جدًا فتستطيع أن تسبب فقدان في التواصل الراديوي لمدة ساعات، وحتى لجانب كامل من الكوكب. العواصف الضخمة ممكن أن تسبب مشاكل محسوسة اخرى، مثل انقطاع الكهرباء في شركة hydroQuébec في عام 1989 والذي استمر ل9 ساعات.

انظمة الانذار بطقس الفضاء:

إهدأ قليلًا فالعالم ليس كله هاوية أو صواريخ متفككة وتائهة، نحن بمقدرتنا أن نتوقع خروج توهج شمسي من سطح الشمس، وأيضًا أن نتوقع بدقة موعد تأثيره على الأرض، معطين بذلك إنذارا مسبقًا بعدة أنماط من العواصف وبفرص رؤية للشفق القطبي.

ولكن قدرتنا على التنبؤ بالعديد من العواصف تكون صغيرة أو حتى معدومة، لأنها تعتمد على كيفية تفاعل المجال المغناطيسي الأرضي مع الرياح الشمسية، والتي تكون صعبة الرؤية.

البث الآني -باستخدام بيانات موافقة لوقت وقوع الحدث من أجل فهم الظروف في اثناء حدوثه- يعد أحد أفضل أدواتنا. نستطيع باستخدام معدات معينة مثل الرادارات الأرضية ومقياس المغناطيسية المجهّز على الأقمار الصناعية أن نقدّر طاقة الطقس الفضائي الكهرومغناطيسية التي تدخل الغلاف الجوي للارض.

أما السبب وراء فقدان شركة spaceX لأقمارها الصناعية في شباط 2022 خلال عاصفة مغناطيسية أرضية خفيفة، فقد كانت المسألة مسألة توقيت لا أكثر. وتبقى حادثة فقدان الاقمار الصناعية تذكير مدهش بقوة العالم الذي نعيش فيه.

  • ترجمة: كريم عبد الرحمن
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1