أصحاب المعتقدات الدّينيّة يفضّلون اقتناء الكلاب أكثر من القطط
باستيت ابنة الشّمس
كانت هذه الآلهة المصريّة القديمة في الأصل لبؤة محاربة ضارية، امرأة قويّة برأس قطّة كبيرة.
وبمرور الوقت، تحوّلت صورتها إلى قطّة منزليّة شهيرة إلى أن اختفى دورها تمامًا مع بدء التّدجين.
من المفترض أنّه من الصّعب التّعامل مع آلة الخرخرة ذات الفراء التي تلتصق بساقك على أنّها إلهة شمسيّة جبّارة.
من الغريب عدم وجود الكثير من المعبودات من القطط.
باستيت هي الأكثر شهرة إلى حدّ بعيد.
وهناك “داوون”، النّمرة التي تحمل المعبودة الشّرسة “دورغا” في القتال، وهناك أيضًا “بارونج كيت” الإله النّمر في بالي، و”أوفينيك”، القطّ الأسود الذي يطارد الأشباح الشّريرة في مزارع بولندا، و”لي شو” في الصّين، الذي يقدّسه المزارعون أيضًا لإبادته الفئران والجرذان.
وبالنّظر إلى انتشارها في كلّ مكان في عالمنا، قد تعتقد أنّه من الممكن أن يكون للقطط حضور دينيّ أكبر.
ربّما يمكننا أن نشير إلى عدم تقدير المؤمنين للقطط. هذا هو موضوع دراسة أُجريت عام 2019، ونُشرت في مجلّة الدّراسة العلميّة للدّين. أراد كلّ من الأستاذ الجامعيّ في جامعة أوكلاهوما، صموئيل بيري، والأستاذ المساعد في جامعة إلينوي الشّرقيّة، ريان بورج، تحديد نسبة امتلاك روّاد الكنائس للحيوانات الأليفة. يفضّل المتديّنون اقتناء الكلاب بهامش واسع: 74.9 في المائة مقابل 40.3 في المائة.
الأمريكيّون يعشقون تربية الكلاب. فمع وجود أكثر من 70 مليونًا منها، يبلغ عدد الكلاب التي تمتلكها الولايات المتّحدة 2.5 ضعف عدد الكلاب في الصّين. كما أنّهم يحبّون إنفاق المال على الحيوانات الأليفة: أكثر من 72 مليار دولار في عام 2018. وهذا أكثر ممّا ينفق على كلّ الرّياضات مجتمعة.
تشير الأبحاث السّابقة إلى أنّ التّقاليد الدّينيّة والكتاب المقدّس لا ينبئان بالضّرورة بملكيّة الحيوانات الأليفة، على الرّغم من أنّ الفريق اكتشف أنّ الإنجيليّين أقلّ ميلًا لامتلاك حيوان أليف من أصحاب المعتقدات التّقدّميّة. وينطبق ذلك أيضًا على أتباع الكنيسة في أغلب الأحيان.
في هذه الدّراسة، استخدم بيري وبيرج استبيانًا أُجري في عام 2018 شمل 2,348 مشاركًا. أجاب نصفهم على أسئلة حول امتلاك حيوانات أليفة، بمتوسّط 1.72 حيوان أليف لكلّ أسرة. وقاموا بتقسيم الإحصاءات على أكبر ثلاث مجموعات دينيّة: الإنجيليّون والبروتستانت الرّئيسيّون والكاثوليك.
إنّ تأثير الكتاب المقدّس يقتصر على الإنجيليّين فقط. نظرًا لأنّ الكتاب المقدّس ليس ودودًا تمامًا مع جمعيّة الرّفق بالحيوان، مع كلّ تلك التّوجيهات يبدو أنّ المتشدّدين دينيًّا يظهرون أقلّ دعمًا لحقوق الحيوان ويبدون أكثر تسامحًا مع القسوة تجاه الأجناس الأخرى.
في سياق متّصل، فإنّ اقتناء الحيوانات الأليفة ذو طابع سياسيّ: تزداد احتماليّة اقتناء الكلاب في المناطق الرّيفيّة ذات الميول الجمهوريّة، بينما تهيمن القطط على معاقل الدّيمقراطيّين في المُدن.
ينطوي الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في الدّراسة على تكهّنات حول الحالة النّفسيّة لمالكي الحيوانات الأليفة. على ما يبدو، تفكّر العائلات ذات الميول المحافظة فيما يمكن أن يقدّمه الحيوان الأليف عوضًا عن اقتنائه لما هو عليه.
“كنّا نتوقّع بأنّ النّزعة المسيحيّة المحافظة -كما يشير إلى ذلك الانتماء الإنجيليّ والتّفسيرات الأكثر حرفيّة للكتاب المقدّس -من شأنها أن تضع تصوّرًا لاقتناء الحيوانات المنزليّة الأليفة ذات المنفعة العمليّة مثل الكلاب، لا القطط بطبيعة الحال”.
غالبًا ما يُعتبر مالكو القطط أفرادًا منعزلين وعصبيّين، في حين أنّ “مالكي الكلاب” اجتماعيّون ومنفتحون.
في الواقع، يبدو أنّ زيارة متنزّه الكلاب والتّجوّل في الحيّ من العوامل المحفّزة لامتلاك كلب. حيث تميل العائلات الكبيرة إلى التّمسّك أكثر بالدّين وتقتني مزيدًا من الكلاب أيضًا.
لقد تمّ مؤخّرًا التّخفيف من حدّة النّظرة الاجتماعيّة السّلبيّة لمالكي القطط.
فلا ينبغي أن تشوّه بضع سيّدات مجنونات صورة البقية. إنّ امتلاك الحيوانات الأليفة أمرٌ صحّيّ من النّاحية النّفسيّة: فامتلاك حيوان أليف يقلّل القلق والاكتئاب، فضلًا عن أنّه يزيد من الثّقة بالنّفس لدى البالغين والأطفال.
بعد مضي ما يزيد عن عقدين من الزّمن على العيش مع القطط، ثمّة ملاحظتان شخصيّتان لديّ عن هذا الأمر والدّراسات المتعلّقة به.
بالرّغم من استقلاليّة القطط إلّا أنّها ليست حيوانات غير اجتماعيّة. أملك مع زوجتي ثلاث قطط. كلّ مساء، تُحيط بنا على الأريكة ثلاث قطط بينما نشاهد فيلمًا. بالكاد تمرّ ليلة واحدة دون أن تنام القطط الثّلاثة على سريرنا -متباعدة عن بعضها البعض كعادة القطط. تتسكّع اثنتان منها في مكتبي يوميًّا أثناء الكتابة، أمّا الثّالثة فقد اتّخذت لنفسها مكانًا أمام باب مكتبي.
كغيرها من الحيوانات، تتجاوب القطط مع معاملتك لها. إذا تعاملت معها وكأنّها غير اجتماعيّة، فسوف تستجيب بالمثل. أمّا في حال دأبت على ملاعبتها واحتضانها باستمرار، لاسيما في مقتبل عمرها، فإنّك ستحظى برفيق مدى الحياة. ونظرًا لكونها كائنات ذات طبيعة خاصّة للغاية، فإذا قمت ببناء بيئة معيشيّة مؤاتية لاحتياجاتها -العديد من الأماكن للتّسلّق عاليًا وإلقاء نظرة من النّوافذ -ستعشق العيش في تلك البيئة.
أمّا إذا تبنّيت إحداها ورفضت تلبية احتياجاتها فسوف تواجه سلوكًا عدائيًّا.
الملاحظة الأخرى تحمل في طيّاتها مزيدًا من التّكهّنات. يستند الدّين في الفكر الغربيّ إلى مرجعيّة قائمة على السّلطة من أعلى إلى أسفل.
يُصدِر الإله التّوجيهات، ويطيعه البشر. يتوافق ذلك جيّدًا مع سيكولوجيّة الكلاب (وللتّوضيح، نحن كذلك نحبّها). تفهم الكلاب الثّواب والعقاب. لو استطاعوا القراءة، لأحبّوا الكتاب المقدّس.
العقاب غير مُجدٍ مع القطط. فهي غير مهيّأة لذلك. إذا صرخت في وجه قطّ وهو يتبوّل على سجّادتك، فسيفكر “لمَ يصرخ هذا القرد؟” وليس “يجب ألّا أفعل هذا”. ربّما لا يجدر بك اقتناء هرّ إذا كنت عاجزًا عن التّعامل مع هذه السّمة من سيكولوجيّة القطط.
تفهم القطط مبدأ المكافآت، وهذا هو السّبب في أنّ التّدريب بالنّقر فعّال للغاية.
لن يدركوا أبدًا أنّ التّبوّل + السّجّاد = خطأ، لكنّهم سيدركون أنّ التّبوّل + صندوق الفضلات = مكافأة، خاصّةً إذا ربطت المكافأة باستخدام أداة النقر.
(يصلح تدريب النّقر أيضًا مع الكلاب والخيول والحيوانات الأخرى).
إن كنت مُدرّبًا على الإيمان بإله يعاقب المجرمين ويكافئ المؤمنين، فستفهم الكلاب فطريًّا. على النّقيض من ذلك، تُعدّ القطط المستأنسة نسلًا لأشرس آلة قتل في الطّبيعة.
فهي لا تحتاج لعقابك أو آلهتك، لكنّها ستتقبّل مكافأتك.
اعتبر الأمر بمثابة صدقة.
- ترجمة: الأيهم عبد الحميد
- المصادر: 1