عند فقدان الوعي، يكون الدماغ أي شيء سوى أنه «صامت»
يُعتقد أن القشرة الدماغية هي مركز عمليات الوعي في الدماغ. إلا أن خلايا معينة في القشرة تُظهر نشاطًا تلقائيًا أعلى أثناء التخدير العام مقارنةً بحالة اليقظة بدلًا من تثبيط نشاطه، ويتزامن هذا النشاط عبر تلك الخلايا القشرية. يمكن أن يؤدي تحسين فهمنا للآليات العصبية للتخدير العام إلى عقاقير مخدرة أفضل ونتائج جراحية متطورة.
في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا في موقع Neuron، كشف باحثون من مجموعة البروفيسور Botond Roska في جامعة بازل ومعهد طب العيون الجزيئي والسريري (IOB) كيف تغير أنواع الخلايا المختلفة في القشرة نشاطها أثناء التخدير العام، مما يساعد على فهم كيفية حدوث فقدان الوعي.
أنت مستلقي على طاولة العمليات. يخبرك الطبيب بالعد حتى 5، ويضع قناع تخدير على وجهك، وبالعد حتى 4، تكون قد فقدت وعيك. لن تستيقظ إلا بعد الجراحة. ماذا حدث في دماغك خلال هذا الوقت؟
ربما يفترض المرء أن عقلك كان صامتًا. إذ يُعتقد أن منطقة الدماغ هي مركز معالجة الوعي، وخاصةً القشرة. ومع ذلك، فمن المعروف منذ ما يقرب من 100 عام أن بعض الخلايا في القشرة الدماغية نشطة وأن هذه القشرة تتناوب بين فترات النشاط المرتفع والمنخفض أثناء التخدير العام.
يعد استخدام أقطاب تخطيط الدماغ EEG المتصلة بفروة الرأس إحدى الأدوات القليلة المتاحة لقياس هذا النشاط، لكن الأقطاب الكهربائية لا تسمح لأحد بتحديد الخلايا الكامنة وراء هذا النشاط. لذلك بقي السؤال: أي الخلايا تساهم في النشاط الإيقاعي في القشرة، وكيف يمكن أن يساهم ذلك في فقدان الوعي أثناء التخدير العام.
على إثر فقدان الوعي
تتكون قشرة الدماغ من أنواع مختلفة من الخلايا، يتمتع كل منها بوظائف مستقلة. تعمل أدوية التخدير العام المتعددة على مستقبلات متنوعة، تقع في أنواع مختلفة من الخلايا العصبية، موزعة في جميع أنحاء الدماغ. ومع ذلك فإن جميع أدوية التخدير العامة تؤدي إلى فقدان الوعي، وفي هذا الصدد قال الدكتور مارتن مونز، أحد المؤلفين الثلاثة الأوائل للدراسة: «كنا مهتمين بمعرفة ما إذا كانت هناك آلية عصبية مشتركة عبر أدوية التخدير المختلفة».
في منشور Neuron هذا، استخدم الباحثون أدوات وراثية حديثة، جنبًا إلى جنب مع خطوط الفأر ( فئران معدلة وراثيًا) التي تصنف أنواع الخلايا القشرية الفردية لمعالجة هذا السؤال. ووجدوا أنه على عكس ما كان يشتبه به سابقًا، أظهر نوع واحد فقط من الخلايا داخل القشرة، وهو الطبقة الخامسة من الخلايا العصبية الهرمية، زيادة في النشاط عندما تعرض الحيوان لعقاقير تخدير مختلفة.
وكما يقول الدكتور أرجون باريوك من نفس المجموعة البحثية وأيضًا المؤلف الأول للدراسة: «كل مخدر يحفز إيقاع النشاط في الخلايا العصبية الهرمية من الطبقة الخامسة. ومن المثير للاهتمام أن هذه الإيقاعات اختلفت بين أدوية التخدير. كان بعضها بطيئًا بينما بعضها الآخر كان أسرع. ومع ذلك، فإن الأمر الشائع بين كل أدوية التخدير هو أن جميعها تحفز على ضبط النشاط. أي عندما كانت نشطة، كانت جميع الخلايا العصبية الهرمية من الطبقة الخامسة نشطة في نفس الوقت»، «لقد أطلقنا على هذا (التزامن العصبي)».
تعمل الخلايا العصبية الهرمية من الطبقة الخامسة كمركز إخراج رئيسي للقشرة الدماغية، كما أنها تربط مناطق قشرية مختلفة ببعضها البعض. وبالتالي، فهم يتواصلون بين المناطق القشرية المختلفة، وكذلك من القشرة إلى مناطق أخرى من الدماغ. لذلك، فإن تزامن النشاط عبر الخلايا العصبية الهرمية من الطبقة 5 يقيد المعلومات التي يمكن أن تنتجها القشرة.
مثل زحام في مباراة كرة قدم
يقول أرجون بريوك: «يبدو أنه بدلاً من إرسال كل خلية عصبية أجزاءً مختلفة من المعلومات، أثناء التخدير، ترسل جميع الخلايا العصبية الهرمية من الطبقة الخامسة نفس المعلومات»، «يمكن للمرء أن يتخيل ذلك كما يحدث عندما ينتقل أشخاص مجتمعين في الحديث إلى بعضهم البعض، على سبيل المثال قبل مباراة كرة القدم أو كرة السلة، عندما يهتفون لفريقهم، أثناء المباراة. قبل بدء اللعبة، هناك العديد من المحادثات المستقلة. في المقابل، أثناء المباراة، يهتف جميع المتفرجين لفريقهم. وهكذا، هناك معلومة واحدة فقط تنتقل عبر هذا الازدحام».
اقترح عمل سابق أن فقدان الوعي يحدث من خلال انفصال القشرة عن باقي الدماغ. تشير نتائج فريق معهد المعلوماتية الحيوية IOB إلى آلية يمكن من خلالها حدوث ذلك عن طريق الانتقال إلى ناتج المعلومات المنخفضة من القشرة، أثناء التخدير.
تقول ألكسندرا بريجنال، الكاتبة الثالثة ضمن المؤلفين الأوائل والطبيبة البيطرية عن طريق النقابة: «إن أدوية التخدير قوية جدًا، كما يشهد على ذلك أي شخص خضع لعملية جراحية. ولكنها أيضًا ليست سهلة الاستخدام دائمًا. إذ يجب على المرء أثناء الجراحة أن يستمر بمراقبة قوة المخدر للتأكد من أن المريض ليس في غيبوبة تامة أو تخدير بسيط. وكلما عرفنا كيف يعمل التخدير وماذا يفعل في الدماغ، كان ذلك أفضل. ربما سيساعد هذا الباحثين على تطوير عقاقير جديدة تستهدف على نحو أكثر تحديدًا خلايا الدماغ المرتبطة بفقدان الوعي».
ويضيف بوتوند روسكا، المؤلف من نفس المجموعة ومدير مركز الأبحاث الجزيئية IOB: «النتائج التي توصلنا إليها وثيقة الصلة بالطب، حيث أن التخدير هو أحد الإجراءات الطبية الأكثر شيوعًا». «إن فهم الآلية العصبية للتخدير يمكن أن يؤدي إلى تصنيع أدوية مخدرة أفضل وتحسين النتائج الجراحية».
- ترجمة: عبير زبون
- تدقيق علمي ولغوي: الجيلي النور
- المصادر: 1