هكذا نربي أطفالًا ناجحين
كتبته «استير وجسيكي»
ربيت ثلاث فتيات ناجحات، منهما رئيستان تنفيذيتان، والأخرى طبيبة، ومن المهارات التي أود أن يعلمَ جميعُ الآباءِ أبناءَهم إياها، الفضول، والعطف، والذكاء العاطفي في سن صغيرة؛ ولكن قد يغفل الآباء عن تعليم بعض المهارات بقدر كافٍ، مثل ضبط النفس. فكلما تعلم الصغار كيفية ضبط أنفسهم، أصبحوا أفضل في إدراك أهمية الوقت لديهم، كذلك معرفة كيفية إدارة سلوكياتهم وأفعالهم.
هذا هو الشيء الذي وضعته في مقدمة المهارات التي علمتها لفتياتي في صغرهن، والذي ساهم كذلك في إنجاحهن؛ ف«سوزان» هي الرئيس التنفيذي لموقع «يوتيوب»، و«جانيت» طبيبة، و«آن» المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “23 andMe”، والثلاثة ارتقين إلى قمة المهن التنافسية التي يهيمن عليها الذكور.
يحتاج الصغار إلى تعلم ضبط النفس أكثر من أي وقت مضى. منذ عشرين عامًا، كان الأطفال يلتقون بأقرانهم شخصيًا، ويلعبون معًا خارج منازلهم، ويحلون الألغاز، ويقرأون الكتب، إلى أن تغيرت تلك الأشياء كثيرًا فاستعضنا عنها بالأجهزة الإلكترونية والتكنولوجيا التي يتقن استخدامها الصغار. وذات مرة، لفت انتباهي أحد تلاميذ الصف الابتدائي يطلب من والديه شراء هاتف خلوي من أجله لالتقاط الصور أو التصفح على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ليس هذا ما أقلقني، بل الافتقار إلى التحكم والكفاءة الذاتية فيما يتعلق بدخول الأطفال إلى العالم الافتراضي؛ فكم هو الوقت المسموح أن يقضوه على الأجهزة الرقمية؟ وكم مرة يسمح لهم باستخدامها؟ وما الأشياء التي يجب القيام بها؟
لا يتوقف ضبط النفس فقط على التحكم في وقت الشاشة؛ لأنه يساعد هؤلاء الصغار في تعزيز قدرتهم وثقتهم في جميع مناحي حياتهم.
تُرى، كيف يمكن للآباء أن يساعدوا صغارهم على ذلك؟
يبدأ ضبط النفس بالتطور سريعًا في مرحلة الطفولة وسنوات ما قبل المدرسة؛ لأنه كلما بدأنا في تعليمهم مبكرا، كان ذلك أفضل، ويبدأ كالتالي:
1. بناء علاقة صحية مع التكنولوجيا
فكر في آخر مرة كنت تتناول فيها الغذاء في ذات اللحظة التي تكتب فيها بريدًا إلكترونيًا، أو تستمع إلى البودكاست، أو تتحقق من الهاتف كل مرة يصدر فيها رنينًا. كثيرًا ما نقوم بذلك.
قد يواجه الأطفال صعوبة عند ممارسة ضبط النفس؛ لأن آباءهم هم المسؤولون عن تعليمهم هذا السلوك، مع العلم أن الأطفال يلاحظون ويقلدون ما يلاحظونه باستمرار. قد يزداد الوضع سوءًا حسبما جاء في استطلاع رأي ضم 6000 مشارك؛ إذ ذكر أن 54% من الصغار يعتقدون أن آباءهم يستخدمون هواتفهم في بشكل متكرر؛ الأمر الذي ولد عند 32% منهم شعورًا ب «انعدام الأهمية» بسبب ذلك، وقد أحزنني ذلك الشعور، فكم منا أصابه الضيق -نحن الكبار- بسبب انشغال الشخص بهاتفه ومكالماته أثناء الحديث معه؟ نعم، أعي أن الهواتف قد تصيبنا بالإدمان، ولكن من أجلنا وأجل أولئك الصغار يجب أن نضع حدًا لذلك الأمر.
2. تعليمهم الصبر
يتكون ضبط النفس من العديد من المهارات؛ منها الصبر. وجدت دراسة أجريت حول الإشباع المؤجل أن الصغار ممن لهم القدرة على انتظار المكافآت لمدة أطول يميلون إلى تحقيق نتائج أفضل في الحياة، على غرار العادات الأخرى المناهضة للصبر مثل ترك الطفل طوال اليوم يتصفح الانترنت في السيارة، أو في المطاعم، أو على منضدة العشاء.
بالنسبة لنا، كان الانتظار والادخار جزءًا من حياتنا؛ فلم يكن لدينا المال الكافي عندما كبرت فتياتنا؛ لذا ادخرنا المال لإنفاقه فيما نريده. وكان لفتياتي حصالات يدخرن فيها كل بنس وآخر، حتى كنا نقطع الكوبونات من الصحف كل يوم أحد؛ وبالتالي كانت لهن القدرة على شراء شيء يريدونه لصبرهن، ما نمّى لديهن شعورًا بالإنجاز.
3. دعوهم يشعرون بالملل
بصفتي محاضِرة، كان الطلاب في بعض الأحيان يشكون إلي عدم قدرتي على جذب انتباههم أثناء المحاضرات، لكني لم أضجر من ذلك أو أشعر بالإهانة قط، بل اعتبرتها فرصة للتعلم، ثم طلبت منهم قائلة: «أريدكم أن تعودوا إلى منازلكم، وتسألوا آباءكم ما إذا كانوا يشعرون بالملل من وظائفهم، وأخبروني بإجاباتكم غدا، فإن كانت بالنفي، يمكنكم عدم حضور المحاضرة»، لكن ذلك استرعى انتباههم.
وأشارت أيضًا إلى أن «الشعور بالملل يمهد الطريق إلى الحياة»، مضيفة أنه يمكنهم ممارسته في الحال. ضحكوا ومن ثم أدركوا حقيقة أن الحياة غالبًا أو أحيانًا قد تكون مملة، إضافة إلى أنه يمكنهم تعلم الكثير خلال هذه اللحظات، ثم الاختيار إما بين تصفح هواتفهم أو تحقيق الحلم، أي الأهداف التي يودون تحقيقها، وتحديد الخطوات التي يجب اتباعها من أجل تحقيق تلك الأهداف، كذلك العقبات التي قد يواجهونها في طريقهم إلى النجاح، إذًا، أين ستشعرون بالحماس والأمل؟
4. وضع القواعد التقنية
أمر بديهي، لكن من المثير للدهشة أن الآباء لا يضعون القواعد الأساسية للتكنولوجيا، هذه بعض أهم القواعد لاستخدام التكنولوجيا:
1) وضع الخطط مع الصغار وليس لهم.
2) عدم استخدام الهاتف أثناء تناول الوجبات، أو أينما كنتم في منزلكم أو منازل غيركم.
3) عدم استخدام الهاتف بعد وقت النوم، واشرحوا فوائد النوم لتطور المخ، وذكروهم أن الأجسام تنمو خلال هذا الوقت.
4) إحسان التصرف مع الأطفال، فالأطفال الذين بلغوا الرابعة من العمر علموهم كيفية استخدام الهاتف الخلوي في حالات الطوارئ.
5) يجب على الأطفال اتباع سياساتهم الخاصة باستخدام الهاتف الخلوي أثناء قضاء العطلة مع الأسر أو القيام بأحد الأنشطة الاجتماعية أينما كانوا، مع التأكد من اختيار العقاب في حال عصيانهم لتلك السياسات المتبعة. على سبيل المثال، خصم مقدار الوقت المخصص لاستخدام الهاتف.
6) مناقشة الصغار حول ما يمكن أن يكون مناسبا للنشر من الصور والملفات الصوتية على الانترنت، مع التوضيح أن أيّا كان ما سينشرونه سيترك بصمة رقمية.
7) مساعدة الصغار في فهم ماذا يقصد ب«التنمر الإلكتروني»، وآثاره السلبية على الآخرين. قد اعتدت دائمًا قول: «اضحكوا مع أصدقائكم، لكن لا تسخروا منهم».
8) حث الأطفال على عدم مشاركة أصدقائهم معلومات التعريف الشخصية.
فالهدف هو تمكين الكفاءة الذاتية وتعليمهم إياها، وعندما يتعلم الصغار ضبط النفس تزداد فرص نجاحهم في تكوين العلاقات مع أنفسهم والآخرين.
- ترجمة: زينب محمد الأصفر
- تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
- المصادر: 1