هل الشاشات هي السبب الرئيسي في معاناة المراهقين؟
حول العلاقة بين استخدام الشاشات والصحة النفسية.
أبنائي مهووسون بشاشاتهم. يحبون لعب الألعاب على الأجهزة اللوحية، ويتطلعون فوق كتفي عندما أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لمشاهدة أحدث مقاطع الفيديو المضحكة عن الكلاب وهي تقفز في المسابح.
بوضوح، كانت الأمور مختلفة عندما كنت طفلًا. وُلدت في عام 1980، فأنا عند نهاية الجيل إكس X، الذي يشمل الذين وُلدوا بين عامي 1965 و1980. كان أطفال الجيل إكس آخر من نشأ تقريبًا دون هواتف ذكية وإنترنت. كنا نمتلك هواتف ثابتة، تلفازات كبيرة وثقيلة، أجهزة تسجيل الفيديو، شرائط الكاسيت، وأقراص السي دي CD.
كانت الأجيال التي تلتنا محاطة بشكل كبير بكل المعلومات التي يمكن أن يوفرها الإنترنت، معظمها منذ سن مبكرة. في هذه الأيام، يستطيع الأطفال إيقاف عرض تلفزيوني إذا احتاجوا للذهاب إلى الحمام والحصول على وجبة خفيفة (في حين كنا نضطر للركض هنا وهناك خلال الإعلانات)، يستطيعون أن يطلبوا من جهاز تشغيل الموسيقى تشغيل أي أغنية يرغبون في سماعها أو أي برنامج يودون مشاهدته. ولداي – اللذان يبلغان من العمر 6 و9 سنوات – لا يفهمان لماذا لا أستطيع تخطي أغنية لا يحبونها على الراديو، أو لماذا لا تحتوي الهواتف التقليدية على شاشات تعمل باللمس.
بناءً على كل هذه التغييرات، فإن السؤال الذي يطرحه العلماء هو كيف غيّر الإنترنت وتوفر الشاشات الطريقة التي نفكر ونشعر بها. وبعبارة أخرى، كيف تختلف الأجيال عن الأجيال السابقة؟ هل كل هذا الوقت الذي نمضيه أمام الشاشات سيء بالنسبة لنا، وسيء لأطفالنا على وجه الخصوص؟
أعتقد أن العديد من الآباء، بما في ذلك أنا، يشعرون في داخلهم بأن الوقت الزائد أمام الشاشة لا يمكن أن يكون جيدًا لنا أو لأطفالنا. وقد جلب كتاب حديث لجوناثان هايدت Jonathan Haidt (جيل القلق: كيف تسبب إعادة ربط الطفولة العظيمة وباءً من الأمراض النفسية) العديد من هذه القضايا مباشرة إلى الواجهة.
في هذاالكتاب، يناقش البحث قضاء الوقت على الشاشة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص ويكتشف كيف يرتبط ذلك بصحة الأطفال النفسية. ويبدو أن الاستنتاجات التي يستقيها من هذه البيانات تحقق أسوأ مخاوفنا. كما يناقش أن وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يسميه «إعادة الربط»، قد أدت إلى مجموعة من المشاكل الاجتماعية والعاطفية للأطفال، تبدأ بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق، وحتى تصاعد معدلات الانتحار بين المراهقين.
هذا الكتاب وكتب مماثلة يعتمد عليها، مثل «iGen: Why Today’s Super-Connected Kids are Growing up Less Rebellious, More Tolerant, Less Happy and Completely Unprepared for Adulthood, and What it Means for the Rest of Us» للكاتبة جين توينج Jean Twenge، تقدم القضية بأن تربية الأطفال مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في سن مبكرة أدت إلى زيادات كبيرة في مشاكل الصحة النفسية للأطفال والمراهقين. استقبلت هذه القضايا عاصفة من التغطية الإعلامية، تاركة الكثير من الآباء في حالة من القلق، يخشون الأسوأ في كل مرة يلجأ فيها أطفالهم إلى هاتفهم الخلوي أو الجهاز اللوحي.
الأدلة
السؤال الأول الذي قد تبدأ في طرحه هو: ما هي الأدلة التي يستخدمها هايدت، توينج، وغيرهم كثيرون ليستنتجوا أن استخدام وسائل الإعلام سيئ لهذا الحد؟ تأتي العديد من البيانات من سلسلة من مجموعات بيانات كبيرة تعتمد على استبيانات يملأها الأطفال والكبار لتتبُع استخدام الشاشة والصحة النفسية ومجموعة متنوعة من العوامل الأخرى على مر الزمن.
تعتمد توينج على وجود أربع مجموعات من البيانات الكبيرة لتتبُع استخدام الوسائط الأساسية واتجاهات الصحة النفسية منذ السبعينيات. ما تظهره هذه البيانات هو تحول في قضايا الصحة النفسية في الولايات المتحدة وبلدان أخرى مثل كندا والمملكة المتحدة ابتداءً من السنوات 2010 إلى 2015، والتي تتزامن مع الوقت الذي ظهرت فيه أول أجهزة iPhone (2007)، وولادة فيسبوك (2004)، وإنستجرام (2010)، وتويتر (2006). يعلن كل منها أن استخدام الشاشة وقضايا الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب مرتبطة، أو مترابطة، مما يعني أن التقلبات في إحداها تتبع التقلبات في الأخرى.
ومع ذلك، انتُقِدت استنتاجاتهم من قبل باحثين آخرين في جدالهم بأن الأمر لا يعني بالضرورة أن تتغير إحدى العوامل عندما تتغير الأخرى فقط لأن شيئين مثل استخدام الشاشات والصحة النفسية يتقلبان معًا. في الواقع، أحب أن أُظهر على الرسوم البيانية في محاضراتي الإحصائية أن هناك علاقة قوية بين عدد الأفلام التي شارك فيها نيكولاس كيدج Nicholas Cage وعدد من المحررات في مجلة هارفارد للقانون Harvard Law Review. هل نعتقد حقًا أن ظهور نيك كيدج في الأفلام يسبب زيادة في عدد المحاميات ليصبحن محررات؟ لا، لا نعتقد، ولكن مع ذلك العلاقة موجودة.
ربما الموضوع الأكثر إشكالية هو تحليل باحثودين آخرين لمجموعة بيانات ضخمة مماثلة (وأحيانًا نفس المجموعات) وخلصوا إلى أن العلاقة بين استخدام وسائل الإعلام ومشاكل الصحة النفسية موجودة، ولكنها صغيرة جدًا – صغيرة جدًا بالواقع لتكون لها أي قيمة عملية.
أظهرت دراسة قامت بتحليل اثنتين من هذه المجموعات الكبيرة، على سبيل المثال، أن تأثير تدخين الماريجوانا والتنمر له تأثير سلبي أكبر على رفاهية المراهقين من استخدام الشاشات، وأن العلاقة بين الرفاهية العاطفية وتناول البطاطس بانتظام كانت مماثلة في الحجم. في الواقع، وجدوا أن ارتداء النظارات كان له تأثير سلبي أكبر على الرفاهية العاطفية للمراهقين من الذي كان له باستخدام الشاشات.
- ترجمة: احمد العاني
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1