الشباب غير سعداء في هذه الأيام لدرجة أنهم غيروا نمطًا أساسيًا من أنماط الحياة
ربما تردّد على مسمع الكثير منا أن سنوات الدراسة في الثانوية هي أفضل أيام الحياة. لكن وفقًا لبحث علمي جديد، من أستاذ جامعة دارتموث ديفيد بلانش فلاور David Blanchflower وزملاؤه، لم يعد هذا صحيحًا. إذ أصبح الآن منحنى U الذي كان لا مفر منه سابقًا للرفاهية أكثر صعوبةً في تحقيق السعادة.
كتب بلانش فلاور في حزيران/يونيو 2024 في مقال يتعلق بالنتائج: «تقترح أدبيات أكثر من 600 بحث منشور أن السعادة تشبه حرف U وأن التعاسة تشبه حدبة معاكسة للسعادة وذلك بالمقارنة مع التقدم في العمر. لقد تكرّر انخفاض منتصف العمر باستمرار عبر مجموعة متنوعة من البيانات والمقاييس. وفي المعدل الوسطي، أصبح الشباب الآن أقل الناس سعادةً. كما تراجعت التعاسة وارتفعت السعادة مع التقدم في العمر. ويبدو أن هذا التغيير بدأ منذ عام 2017، إذ أصبح كبار السن سعداء أكثر من الشباب».
من الصعب المبالغة في مدى انتشار منحنى U للسعادة. فقد ثَبُتَ وجوده في كل مجتمع بشري اختُبِر تقريبًا من البلدان المتقدمة والغنية إلى الدول النامية، كما شُوهِد عند متحدثي اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى، وفي الأماكن مرتفعة ومنخفضة متوسط الأعمار المتوقع، وكذلك في مستويات الديمقراطية المرتفعة والمنخفضة، بغض النظر عن متوسط الدخل أو الناتج المحلي الإجمالي أو نسبة جيني.
كتب بلانش فلاور في واحدة من أبحاثه العديدة حول هذه الظاهرة عام 2020: «لقد وجدت دليلًا على تدهور السعادة في 145 دولةً تتضمن 109 دولٍ ناميةٍ و36 دولةً متقدمةً. لقد وجدت هذا في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا وأفريقيا. إنني أملك شكل منحنى U للرفاهية في كل دولة من الدول ال35 الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وفي 138 دولةً عضوًا في الأمم المتحدة».
يعتبر نمط شكل U للسعادة أساسيًا لدرجة أنك لا تحتاج إلى تقييد نفسك بالمجتمعات البشرية حتى تلاحظه، فقد شوهد لدى مجموعات القردة. إذ يبدو أنه لا يوجد مفر منه بالنسبة للبشر وأشباه البشر: أن نكون، من الناحية البيولوجية، مقدرين وسعداء في صغرنا وكبرنا وأن نكون أكثر غضبًا في المنتصف.
أما الآن، فقد أصبح منحنى U للسعادة أقرب إلى خط مستقيم بفضل الانحدار غير المسبوق في الرفاهية لدى الشباب، إذ يبلغ مستوى الرضا عن الحياة أعلى مستوياته في النهاية وأدنى مستوياته في بداية مرحلة البلوغ.
قال بلانش فلاور في محاضرة عن نتائجه في وقت سابق من هذا العام: «لقد صُدمنا إلى حد ما. إذ فجأةً بدأنا نلاحظ أن شيئًا ما يحدث بالفعل، وهو انحدار سريع في الرفاهية لدى الشباب، وخاصةً الفتيات الصغيرات، ولكن الاتجاهات بالنسبة للشباب كانت هي نفسها. كانت هناك تغيرات في البيانات لم نرها من قبل حقًا».
وقد أوضح بلانش فلاور أن واحدة من كل تسع شابات في أمريكا تُبلغ يوميًا عن أنه يوم سيئ للصحة العقلية، وأن الرقم أقل بالنسبة للشباب، لكن لا يزال الرقم واحدًا من كل 14 أمرًا مقلقًا للغاية. لقد وجد الفريق ارتفاعًا كبيرًا في عدد الشباب الذين يزورون خدمات الصحة العقلية ويدخلون المستشفى نتيجة إيذاء أنفسهم ومحاولة الانتحار.
بينما شوهدت هذه الظاهرة لأول مرة في بيانات من الولايات المتحدة، إلا أن دراسات لاحقة أجراها بلانش فلاور وزملاؤه أظهرت أن المشكلة أكثر انتشارًا في مجرد دولة واحدة. في الواقع، عُثِر حاليًا على هذه العلاقة السلبية الجديدة في أكثر من 80 دولة في جميع أنحاء العالم من أستراليا وحتى زيمبابوي.
قال بلانش فلاور: «لديّ النمط نفسه بالضبط في 43 دولة نظرت فيها بالفعل. وهذا مخيف نوعًا ما. وكان يجب علينا أن نفعل شيئًا حيال هذا الأمر منذ سنوات».
إذن، ما سبب هذا الانحدار العالمي في سعادة الشباب؟ إليكم الأمر المثير للدهشة: لا نعرف.
لا يبدو أن أيًا من الإجابات السهلة مناسبًا للأمر. وأكّد بلانش فلاور أن التغيير ليس بسبب كوفيد، بل إن كوفيد ببساطة امتد إلى اتجاهات بدأت منذ عام 2011. كما أنه لا يرتبط بسوق العمل أيضًا، إذ يبدو أن الرفاهية لدى الشباب بدأت في الانخفاض في الوقت نفسه الذي انتعش فيه سوق العمل.
قال بلانش فلاور لمجلة العلوم الأميركية Scientific American: «إن ما نحتاجه هنا هو شيء بدأ منذ عام 2014، كما أنه شيء عالمي ومؤثّر على الشباب بشكل غير متناسب، وخاصةً الشابات. إن أي فرد توصّل إلى تفسير ما يجب أن يكون شيئًا مناسبًا لذلك، وبخلاف الهواتف المحمولة ليس لدي أي شيء».
- ترجمة: مجد علي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1