ما الانزياح نحو الأحمر؟
إن سبق وتساءلت عن كيف اكتشفنا المسافات التي تفصلنا عن النجوم أو الكواكب، وحولت تساؤلك إلى سؤال طرحته على محركات البحث، فلا بد من أن الإجابة تضمنت مصطلحات مثل الانزياح نحو الأحمر، أو الانزياح نحو الأزرق. وكلاهما مفهوم مهم للغاية في الفيزياء، لا سيما علم الفلك، وسينفعك جدًا معرفته إن كنت كثير البحث.
يصف الانزياح نحو الأحمر التغير الواضح في لون الضوء المنبعث من جسم ما عند تحركه بعيدًا عن المراقب.
من المفيد التفكير في ظاهرة مماثلة قد يواجهها الكثير منا يوميًا في حياتنا لفهم تلك الظاهرة.
تخيل أنك تقف ساكنًا على جانب الطريق، وتقترب سيارة إسعاف مع صوت صفارات الإنذار. لا يتغير مستوى الصوت مع اقترابه فحسب، بل تنخفض نغمة صفارة الإنذار بعد تجاوزنا، وتصبح طبقة الصوت أعمق بجزء بسيط.
تسمى هذه الظاهرة إزاحة دوبلر أو تأثير دوبلر Doppler effect، وسببها اختلاف تردد الموجات التي نستقبلها من مصدر يقترب أو يبتعد.
حين تقل المسافة بيننا وسيارة الإسعاف، فإننا نستقبل موجة الضغط التالية في وقت أبكر قليلًا، مما يجعل الصوت يبدو أكثر تكرارًا (أعلى ترددًا) مما هو عليه بالفعل. وحين تزيد المسافة بيننا وسيارة الإسعاف، تزداد المسافة بين الموجات التي تصل إلينا، مما يجعلها تبدو أقل تكرارًا وبالتالي تصبح طبقة الصوت أقل.
الموجات الصوتية ليست الوحيدة التي تخضع لظاهرة دوبلر، فكل الموجات تبدو مختلفة في التردد باختلاف المسافة -الزيادة أو النقصان- بيننا وبين مصدرها.
لماذا يسمى الانزياح نحو الأحمر؟
يؤدي التغير في «نغمة» الضوء إلى تبديل لونه وفقًا لمكانه في الطيف الكهرومغناطيسي. على سبيل المثال، ينخفض تردد الموجات عندما يتمدد الطول الموجي للضوء، مما يجعلها تبدو أكثر احمرارًا، فيحدث ما يسميه علماء الفلك الانزياح نحو الأحمر. ويرتفع تردد الموجات حين يتقلص الطول الموجي، مما يجعلها أكثر زرقةً، فيحدث ما يسميه علماء الفلك الانزياح نحو الأزرق.
معظم الأجسام التي تتحرك حولنا على الأرض بطيئة جدًا فلا نستطيع ملاحظة الانزياح في لونها. لكن بعيدًا، تتحرك الأجسام السريعة مثل النجوم والمجرات بمقاييس تجعل من السهل ملاحظة تغير اللون.
ما الفرق بين النجم الأحمر الثابت والنجم المزاح نحو الأحمر؟
كما لهب الشمعة ليس بنفس لون لهب موقد الغاز، يرتبط لون النجم ارتباطًا وثيقًا بدرجة حرارته وتكوينه. يمكن لعلماء الفلك عادةً معرفة مدى سخونة النجم وفقًا لكتلته ولمعانه، مما يعطي نقطة انطلاق جيدة لتحديد اللون الذي يجب أن يكون عليه.
الأهم من ذلك بكثير هو قوس قزح الألوان المعين (أو الطيف) الذي ينبعث نتيجة للمواد التي تطفو في غازات النجم.
تمتص إلكترونات المركبات والعناصر المختلفة موجات ضوئية ذات ترددات محددة جدًا. تعني هذه «البصمة» المحددة جيدًا أننا نعرف تمامًا ما هي الخطوط الطيفية التي يجب أن تظهر لكل مادة كيميائية معروفة تقريبًا.
انشر ضوء النجوم إلى قوس قزح من الألوان، وسترى نمطًا من الظلال يشبه الرمز الشريطي يظهر بسبب الطريقة التي يمتص بها مزيج المواد الضوء. وفي حين أن النجوم المختلفة قد يكون لها خطوط طيفية مختلفة، فإن الأنماط تعمل مثل النوتات الموسيقية في الأغنية. وتظل الأغنية مألوفة، حتى إن غنيت بنبرة أعلى أو أقل.
يلاحظ علماء الفلك الانزياح نحو الأحمر بوضوح، كما ستلاحظ بسهولة إن غيرنا بعض أبيات أغنيك المفضلة، لذا فإنهم يعرفون أن هذا الجزء لا ينبغي له أن يكون كذلك.
لماذا الانزياح نحو الأحمر مفيد في علم الفلك؟
يخبرنا الانزياح نحو الأحمر بأمرين في علم الفلك:
الأول أننا أينما نظرنا في الكون الشاسع فإن الأجسام تتحرك بعيدًا عنا بسرعات عالية جدًا.
إما أن هذا يعني أن كل شيء حول الأرض يدفع بعيدًا عنها (ونحن والأرض في مكاننا)، وإما أنه يعني أن كل شيء يبتعد عن بعضه. ونظرًا لمبدأ مهم يوصينا ألا نرى أنفسنا محور الكون، يفترض علماء الكونيات أن نسيج الكون ذاته لا بد أنه يتوسع.
الأمر الثاني الذي يخبرنا به الانزياح نحو الأحمر هو المسافة بيننا وبين الجسم.
لا يقتصر هذا الخبر على ظاهرية ابتعاد الأجسام البعيدة عنا، بل يبدو أنها تفعل ذلك بمعدل أسرع من تلك الأقرب إلينا. تعني هذه السرعة الأعلى أن «أغنية» الخطوط الطيفية ستبدو أكثر تشوهًا كلما ابتعدت.
يمكن لعلماء الفلك استخدام صيغة تقدم تحولًا في الطول الموجي بناءً على نمط الخطوط الطيفية، ما يوفر مقياسًا يسمى مقياس زد measure z. وبالاعتماد على افتراضات أخرى، مثل إن كان الفضاء ينحني قليلاً في المقاييس الضخمة، يُترجم مقياس z إلى مسافات محددة، مثل الفراسخ الفلكية والسنوات الضوئية.
- ترجمة: آلاء محمود
- المصادر: 1