لاتدع المثالية تصبح عدوًا للإنتاج
غالبًا ما تكون المثالية أو الكمال من دوافع السعي للتميز، ولكن قد يكون تدميرًا للذات. هناك ثلاثة أخطاء كبيرة تميل لقتل الإنتاجية المثالية. أولاً، أنهم كثيرًا ما يعجزون عن برهنة أية قرار على أنه غير مهم مما يحول دون إتخاذهم لقرارًا أو تفويضًا سريع. ثانيًا، يشعرون بأنهم ملزمون أخلاقيًا بتقديم الأفضل لعملهم. ثالثًا، التشبث الصارم بالعادات التي لم تعد لصالحهم بعد الآن. الإدراك هو الخطوة الأولى لتجاوز هذه المشكلات. كما يستطيع الساعون للكمال أن يطوروا من أسالبيهم البحثية، فمثلًا تطوير إختيارهم للمجالات التي يمكن فيها تقدیم الأفضل في العمل والمجالات التي يكون فيها تحقيق التوقعات أمرٌ عادي ومراجعة الإلتزامات للتأكد من أنها لا تزال مفيدة.
لا تتعلق الإنتاجية بإنجاز المزيد، بل تتعلق بما تنجزه. هناك ثلاثة جوانب للكمالية ربما تتداخل مع قدرتك على تحديد أولويات المهام الأكثر أهمية.
1. أنت متردد في تصنيف القرارات على أنها «غير مهمة».
هناك حجة عن القرارات الغير مهمة مفادها، عليك إما اتخاذ القرار سريعًا أو الاستعانة بمصادر خارجية لاتخاذه. ولكن بالنسبة للساعين للكمال فإنهم يجدون الصعوبة في تصنيف القرارات على أنها غير مهمة. فهم يحبون التحكم أو السيطرة على كل شيء حولهم. ولكن لماذا؟ لأن العيوب تزعجهم أكثر من الآخرين. وأن حدث خطأ ما فإنهم يشعرون بالإحباط الشديد أو إحساس مزعج بالضيق لا يمكن تجاهله، فهم لا يريدون المخاطرة. في بعض الأحيان، اعتاد الساعون للكمال أو المثاليون على الإدارة الدقيقة لدرجة أنه لا يخطر ببالهم حتى أن أي قرار غير مهم، فهم لا يبصرون ذلك. وهم يصنفون كل شيء بصورة اعتيادية وتلقائية على أنه جدير بمجهودهم الكامل.
الحل: في الحياة العصرية، قد يكون اتخاذ القرار أمرًا صعبًا. يمكن للساعين للكمال تعلم التخلي عن بعض الخيارات إذا ما انتبه إلى مدى شعوره بالرضا عن إعفائه من عبء اتخاذ القرار. حاول استخدام الاستنتاج أو الحيثيات لاتخاذ قرار أو تفويض سريع مع توقع حصولك على قرارتً أسرع وجيدة عامةً ولكن ليست مثالية.
2. شعورك بأنك ملزم أخلاقيًا بتقديم الأفضل.
أن اعتقادك بأنك يتعين عليك التغلب على التوقعات في جميع الحالات قد يتجلى بطرق شتى. دعنا نقول بأن أحدهم عرض عليك أن يدفع لك 1,000$ مقابل خدمة ما. فإذا كنت من الساعين للكمال فأنك ستعتبر تقديمك لخدمة مقابل هذه القيمة يجب أن يكون مساوً لما يتقاضاه منافسوك مقابل 1,500$ لأنك تريد التفوق عليهم. تعتقد إنك «إذا لم أقدم الأفضل، فأنا أقل من اللازم».
أو إذا كان رأيك في أن من اللائق الرد على البريد الإلكتروني لأحد زمائلك يجب أن يكون في إطار زمني لا يتعدى الـ24 ساعة. فعليك أن تضبط شريط إشعاراتك على الرد خلال 6 ساعات. المشكلة في إنك تعتقد أساسًا أن المنطق العام لا ينطبق عليك، ويجب أن يكون معيارك الخاص مختلف.
في بعض الأحيان تأتي هذه الطريقة في التفكير من الرغبة في الحصول على دافع قوي للغاية. فمثلًا، تظن لو إن هدفك لتقديم 1.5X أو 2X كقيمة لكل ما تقدم، إذن فأني لن أتقدم أبدًا. وربما يكون الدافع أيضًا هو القلق أو انعدام الأمن أو الشك الدائم في إنجازاتك. فتعتقد أن الطريقة الوحيدة لمنع أي شخص من الشعور بخيبة الأمل أو الاستياء منك هي تجاوز التوقعات دائمًا. يتخيل الساعين للكمالي أحيانًا أنه ستكون هناك عواقب وخيمة إذا فشلوا في تقديم الأفضل، فمثلًا يشعرون بالقلق من أن العميل لن يرغب في العمل معهم إذا استغرق يومًا للرد على طلب بريد إلكتروني، حتى لو كان استعلامًا غير عاجل.
الحل: إذا لاحظت هذه الأنماط في التفكير فعليك وضع خطة لكيفية تصحيح مسارك. أفهم ما يكلفك السعي دائمًا لتحقيق أداء متفوق. ما الأشياء الأخرى التي لا تملك الوقت والطاقة والاهتمام وقوة الإرادة من أجلها؟ ربما صحتك أو أهدافك الكبيرة أو عائلتك. إذا قدرت أن التكاليف كبيرة، فحاول أن يكون لديك قاعدة أساسية عندما تفرط في تقديم الأفضل. على سبيل المثال، ربما تقرر أنه في ثلاثة من كل عشرة مواقف يكون لديك فيها الدافع للقيام بذلك، ستفعل ذلك، ولكن ليس في الحالات السبع الأخرى. وربما تساعدك العادات الخاصة بحالة معينة أيضًا. على سبيل المثال، إذا أرسل لي أحد المراسلين أكثر من ستة أسئلة لمقال يعمل عليه، فسأجيب عمومًا على ستة أسئلة أو أكثر ذلك بالتفصيل، وإما أجيب بالحد الأدنى أو أتخطى الأسئلة الأخرى. ربما أعطي إجابات أفضل باستخدام هذه الإستراتيجية لأنني أركز على المجالات التي لدي أكثر الأشياء إثارة للاهتمام لأقولها.
3. تنزعج بشكل مفرط عندما لا تكون منسجمًا بنسبة 100٪ مع العادات الجيدة.
عندما يرغب الساعون للكمال تبني عادات جديدة، فإنهم يميلون إلى الوقوع في واحدة من ثلاث فئات. يستنزفون طاقاتهم وخططهم مرهقة للغاية بحيث لا يمكن إدارتها، يتجنبون بدء أي عادة ما لم يكونوا متأكدين 100٪ من قدرتهم على تحقيق هدفهم كل يوم، مما يؤدي إلى التباطئ أو التأجيل، أو يتخذون فقط تلك العادات التي يمكنهم الالتزام بها بغض النظر عن أي شيء.
المرونة هي السمة المميزة للصحة النفسية. يجب أن تكون لديك القدرة على قضاء يوم عطلة من صالة الألعاب الرياضية عندما تكون مريضًا أو ببساطة يمكنك أن تنزل من رحلة طيران متأخرة، حتى لو كان ذلك يعني كسر القواعد. يجب أيضًا أن تكون قادرًا على الابتعاد عن العادات التي كانت ذات يوم مهمة لإنتاجيتك أو تنمية مهاراتك ولكنك تجاوزتها. ربما بصفتك مدونًا مبتدئًا، تعهدت بالنشر دائمًا ثلاث مرات في الأسبوع، ولكن الآن هذا يزعجك، أو بصفتك مستثمرًا عقاريًا جديدًا كنت تحضر دائمًا لقاء شهريًا لكنك الآن لا تشعر بالحماس حيال ذلك.
في بعض الأحيان، يبدو السلوك الأكثر انضباطًا أو الحياد عن عادة أو نمط سلوك متأصل، مثل السلوك الأقل انضباطًا أو أخذ استراحة. ولكن عندما يتحول الانضباط الذاتي التقليدي إلى إكراه، فذلك يؤدي إلى إعاقة الكمال.
الحل: يجب عليك أن تضع آلية للتأكد من عدم تمسكك بعادة كنوع من التعظيم أو التمجيد لتأديب ذاتك أو ترويضها. إذا لم تتغيب عن تمرين لمدة عامين فمن المحتمل وجود أيام لم يكن إنجازك فيها للتمرين الأفضل. راجع بانتظام ثمن أي نشاطات أو سلوكيات حرصت على عملها بشكل دؤوب للتأكُد من آنها أفضل استغلال لطاقتك البدنية والعقلية.
كما قلنا سلفًا أن المثالية أو الكمال هو من دوافع السعي للتميز وأنه قد يكون تدميرًا للذات، إذ ما أدى إلى سلوك دون المستوى مثل الإستمرار بعادات عديمة الجدوى، أو إفراطك في تقديم الأفضل عندما لا تضطر لذلك أو مبالغتك في التفكير في أي قرار تتخذه.
- ترجمة: فرح سعد رحيم
- تدقيق علمي ولغوي: علياء أحمد
- المصادر: 1